ثقافة وفن

«تراثنا كرامتنا» معرض نزلاء دار الكرامة السنوي … د. بثينة شعبان لـ«الوطن» هذا المعرض في سياق تعزيز الهوية الوطنية والتراث … نزلاء وذوو احتياجات خاصة يقدمون الحرف السورية التقليدية

| إسماعيل مروة - تصوير مصطفى سالم

فئة من المجتمع قهرها الزمن أو المرض، ظلمها الأهل أو الأقرباء، شردتها الظروف أو الحروب، فوجدت نفسها وحيدة غير قادرة على خدمة نفسها، وعاجزة عن متابعة الحياة وظروفها.. من مختلف الفئات العمرية.. فكانت دار الكرامة الملاذ لهم لتحتوي على أجسادهم وأرواحهم وطاقاتهم.. وفي هذه الدار أرادت الإدارة في الدار شيئاً آخر، فاهتمت باهتماماتهم، وافتتحت لهم مشغلاً في مقهى الدار، وقدمت لهم المواد اللازمة لإظهار كوامن أرواحهم وإبداعاتهم، وهذا البازار الدوري صورة للدار والمقيمين فيها.. يحوي ما غزلته أرواحهم الطيبة، وأصابعهم التي أنهكها التعب أو المرض لتنتج فناً وتراثاً وحباً للحياة والإنسان.

الرعاية والاهتمام

صباح يوم الجمعة افتتح بازار (تراثنا كرامتنا) في مقر وثيقة وطن، بالتعاون بين محافظة دمشق ودار الكرامة والجمعية السورية للتنمية الاجتماعية ووثيقة وطن، وقد افتتحته الأستاذة الدكتورة بثينة شعبان في مقر الوثيقة، وأسبغت على المشاركين والمشاركات حبها ورعايتها، فوقفت عند جميع المشاركين، وبادرت إلى اقتناء بعض هذه المشغولات، وتبادلت الأحاديث مع المشاركين حول ما صنعوه والمواد التي يستخدمونها والصعوبات التي يواجهونها، وفي تصريح خاص لـ«الوطن» تحدثت السيدة الدكتورة عن هذا المعرض وأهميته وارتباطه بنشاط مؤسسة وثيقة وطن وأهدافها التي وضعتها لتوثيق التراث السوري فقالت:

«وثيقة وطن لا توثق التراث وحده، فنحن نوثق ما جرى في سورية لنكتب تاريخنا بأنفسنا، إضافة إلى ذلك الوثيقة ارتبطت بمشروعين مع الأمانة السورية للتنمية وبرعاية السيدة أسماء الأسد، مشروع تأريخ الحرف اليدوية، ومشروع المونة السورية، نحن نرى أعداءنا يسجلون أطعمتنا التي اخترعناها وأضافت إليها جداتنا عبر آلاف السنين يسجلها العدو من تراثه ويزورون التاريخ، نحن الآن في سباق مع الزمن لكي نثبت تراثنا وهويتنا، وهما عنصران من كرامتنا التي نورثها للأجيال القادمة، وهذا البازار عوائده تعود للعاملات فيه، وكنا في وثيقة وطن استضفنا معرضاً للشابات في الأحداث، واليوم نستضيف هذا المعرض لتقدير الذين اشتغلوها ليطوروا ويبدعوا ويزيدوا من أنشطتهم في تعزيز التراث.

التنوع والأنشطة

هذا المعرض أو البازار يستحق منا الزيارة، وذلك لأسباب عديدة أهمها رؤية هذا التنوع في مكان غير متوقع وثانيها جمال الأنشطة والمشغولات المعروضة، فهي ليست من أجل كسب العطف والعوائد، كما أنها نتيجة جهد مضن للنزلاء الذين يتنوعون ما بين كبار السن والشباب وذوي الاحتياجات الخاصة.

وفي هذا السياق تحدث الأستاذ شفيق فرنسيس من الجمعية السورية للتنمية عن المعرض، وأنه كشف لهوايات النزلاء الذين يصل عددهم إلى 104 نزلاء اشترك منهم 50 نزيلاً واستمر 25 نزيلاً بشكل فعلي، والجمعية والدار تؤمن لهم المواد الأولية مجاناً، والدار جهزت لهم مقهى الدار ليكون منتدى لهم، وتؤمن لهم متطلباتهم ليقدموا هواياتهم نقلاً عن صور أو من الخيال، وتسعى الجمعية إلى إيجاد التدريب من مدربين متخصصين.. والمعروضات تتنوع ما بين الخشبيات والخيش والصوف والتطريز.

أمان وحب

السيدة نور هدى حبال من النزيلات في دار الكرامة والمشاركات في الرسم من خلال لوحات عديدة، سيدة وحيدة بعد انفصالها وزواج أولادها، تقيم في الدار منذ خمس سنوات وهي سعيدة بما ترسمه من خيالها أو برامج الأطفال أو لوحات أخرى، وتتحدث عن الأمل والإشراق في الألوان التي تختارها، وهي في تطور مستمر، لذلك تتحدث عن لوحات حديثة لها ليست وجوهاً، وإنما أشكال وألوان وبكل سعادة.

وتحدث السيد جورج سعدة مدير الدار عن التجربة ومجانيتها بالتعاون ما بين محافظة دمشق والجمعية التابعة لوزارة الشؤون الاجتماعية والعمل، وبأن الدار تحمل الأعباء كلها مقابل تحقيق الأمان والحب للنزلاء، وتناول آلية العمل في الدار التي تجري دراسة اجتماعية للنزيل، والإقامة شبه مجانية، وأكد على وجود خطة لتدريب وتأهيل النزلاء.

وعند سؤال الوطن عن الأنشطة الأخرى لفت السيد جورج إلى أن الأعمار متفاوتة وليست للمسنين فقط، وبيّن أن في الدار بعض النزلاء انتظموا في الدراسة في الثانوية والجامعة، والدار تؤمن لهم الدراسة وأجواء المطالعة، وتؤمن انتظام امتحاناتهم.

المعرض صورة

والسيدة ريم نحيلي مديرة البرامج في الجمعية تحدثت لـ«الوطن» بأن هذا المعرض هو إحدى صور برامج الدار والأنشطة، فالخطة تشمل برامج مهنية واجتماعية وترفيهية، وهناك تركيز على الحياة الاجتماعية وعملية دمج النزلاء في الحياة الاجتماعية بشكل واضح، كما أكدت على وجود رؤية بتأهيل هؤلاء النزلاء وتدريبهم من خلال خبراء متخصصين ليتم رفع مستوى الأعمال إلى مرتبة أعلى من الهواية.

دراسة ومهنية

والتقت «الوطن» نوال إبراهيم إحدى المشاركات في المعرض، وهي شابة أبت مساعدتها في التحرك للوصول إلى معروضاتها، شابة باسمة تستقبل الحياة على كرسيها، وفاجأت بالحديث عن مشغولاتها التي تقدمها، وكانت المفاجأة بأنها طالبة في كلية الآداب قسم علم الاجتماع، وهي تقدم امتحاناتها بانتظام بسبب ترتيب الدار لأمورها وشؤونها، وأعربت عن سعادتها بوجودها في الدار التي حققت لها الدراسة والحرفة، وهي تعيش فيها معتمدة على ما تبقى من مرتب والدها الذي تتقاسمه مع أختها.

وثيقة وطن والمعرض

قامت وثيقة وطن بالإعداد للمعرض وتنظيمه وفق الخطة والتعاون مع الأمانة السورية للتنمية، وكانت المؤسسة حاضرة بكوادرها لتقديم ما يلزم من أجل نجاح المعرض، وتقديم كل العون للمشاركين والمشاركات خاصة أن النسبة الكبرى من المشاركين من ذوي الاحتياجات الخاصة، ومثّل المعرض صورة مشرقة للتشبيك بين المؤسسات الرسمية وغير الحكومية والأهلية لإنجاز نشاط لائق يتجاوز في مهمته الجوانب الإنسانية ليكون توثيقاً لهذه الحرف والمشغولات بأيدي أناس أرادوا أن يكونوا فاعلين بدل أن يكونوا مستقبلين للعون من المجتمع.. وهذه صورة مشرقة من ثمرات هذا التعاون.

المعرض ورسالته

مجموعة ليست قليلة تتجاوز مئة إنسان أنزلهم الزمن أو المرض، أو أجبرتهم الحرب في دار الكرامة، وها هم يقدمون صورة مثلى ومشرقة للإنسان السوري وقدرته، وما علينا سوى التوجيه والتدريب والاحتضان لهؤلاء وأمثالهم، وما خلفته الحرب على سورية خلال أكثر من عقد من الزمن يدعونا إلى أن نشمر عن ساعد الجد والبحث عن الطاقات لتكون منتجة وقادرة وموجهة لخدمة مشروعات تخص سورية وتعود عليهم بالعوائد التي تحقق الكرامة لهم، وهذا ما حمله عنوان المعرض تراثنا كرامتنا، وهو الذي يربط ما بين الهوية والكرامة، المكان والوطن.. تستحق منا هذه البادرة الثناء والتنويه وتسليط الضوء عليها، وتستحق سورية من المعنيين بالشأن العام الرسمي والأهلي أن يتم استيعاب كثيرين لتتحول أصابعهم من تناول الصدقات أو امتهان الجريمة إلى أصابع منتجة وعاملة تؤدي دوراً وطنياً مهماً ترفد فيه خطط المؤسسات لإثبات الهوية والابتعاد عن البطالة التي تنهك المجتمع.

شكراً لجهود هؤلاء النزلاء ورغبتهم في أن يحيوا حياة كريمة جميلة، وفي أن يقفوا أمام منجزهم للحديث عنه وشرحه كأي فنان أو مهني، ليكونوا أنموذجاً للإبداع، وشكراً للفكر الذي استوعب ما لديهم ويحاول استثماره لمصلحتهم ومصلحة المهنة السورية وتراث الوطن.

صور

– حرصت الدكتورة بثينة شعبان قبل الافتتاح الرسمي وبعده على الحديث مع كل مشارك ومشاركة والتقطت معهم الصور التذكارية وتحاورت معهم في عملهم والمشغولات التي قدموها.

– أغلب المشاركات والمشاركين من ذوي الاحتياجات الخاصة، الذين يتحركون بوساطة الكرسي، وكل مشارك كان يقترب من مشغولاته فخوراً بنفسه وكرسيه ويتحدث عما قام به.

– المشغولات كلها من المواد المتوافرة، حتى الذي لا يملك ذلك الحسّ الإبداعي كان له الإسهام بالحرق على الخشب بالكاوي بعد أن يقوم آخر برسم لوحة له، ما يدل على التشاركية في العمل.

– تحويل مواد إلى أعمال فنية كالصحف التي يتم جمعها وإلصاقها بفنية لتصبح لوحة فنية تشبه أداة نستخدمها كالصينية، لكنها غير قابلة للاستخدام، وإنما تحولت إلى لوحة.

– أغلب المشغولات هي من الأمور التي يحتاجها الإنسان في حياته كالسلال والخيش وأغطية الطاولات والخشبيات الناعمة التي تحولت إلى علب محارم وأزهار وما شابه ذلك بحيث يمكن صنعها بأقل التكاليف، ويمكن تسويقها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن