لعل أكثر ما يقهرني في منشورات وسائل التواصل الاجتماعي (أخبار- مقابلات- تصريحات)، أنها على الأغلب، بلا تاريخ (خالية من الإشارة إلى الزمن!!!).
وليس هذا التصرف بريئا دائما، بل لعله في أغلب الأحيان مقصود، يماثل التعميم وهو نوع من النفاق، يخلط الأوراق ويغيب الحقائق.
آخر وقائع تغييب الزمن عن المقابلات والتصريحات، ما نشر في أماكن متفرقة مؤخراً على أنه تصريح للسيد وزير المالية يقول فيه بما معناه إنه بعد رمضان هناك زيادة في الرواتب والأجور.
بحثت على. «غوغل» عن زمن هذا التصريح، وجدت أنه قيل في آذار من العام الماضي….!!
يسمون في علم النفس، ما يحدث على وسائل التواصل الاجتماعي، أنه إشاعات إسقاط، فمن يروّجون لزيادة رواتب أو منحة، يتوقون إلى هذه الزيادة أو تلك المنحة، لكنهم لا يريدون البوح صراحة بأمنياتهم لأسباب مختلفة، فيصوغون تلك الأمنيات على شكل إشاعات، وتنتشر تلك الإشاعات بقوة، في ظروف ملائمة لها، وما من شك أن الأوضاع المعيشية والمالية- تحديداً- لأغلب السوريين، تشكل بيئة ملائمة جداً، ولاسيما في سياق الطفرة المذهلة التي حدثت على صعيد الأسعار، في الأيام القليلة التي سبقت شهر – رمضان – الحالي، وأيامه الأولى، حالة (هستيرية) عاشتها الأسواق، لم يسبق لها مثيل وأقدم مثالاً عشته شخصياً في سوق المزة (الشعبي): رأيت البابونج عند بائع بدا لي محترماً قبل يومين، إذ سألته: لقد وعدتني أن تحضر البابونج -مثل ذاك الظريف الذي اشتريته منك قبل أيام، فأجابني: لم أجد بضاعة جيدة ورأيت الأسعار مرتفعة.
في اليوم الأول من رمضان فرحت أنني رأيت أمام دكانه صندوقا من تلك المادة ذات الزهر الأصفر، فاشتريت كامل الكمية ١.٥ كغ فوجئت بالسعر، قفز من ٣٠٠٠ ل. س إلى ٥٠٠٠ ل.س سكتّ فأنا عملياً أشتري دواء، والأدوية اليوم غالية جدا، سألته عن التفاح قال بـ٢٥٠٠ ل.س (وكان قبل يومين بـ١٥٠٠ ل. س) النهفة أين…؟ بعد أن زان لي تفاحتين طلب ألف ليرة ثمنهما ولَم يخصهما بكيس وضعهما فوق البابونج…..!! ثم اشتريت وقية عوجة بألفي ليرة، أي الكيلو غرام بعشرة آلاف ليرة واحتار أين سيضع الأوقية ثم خجل وخصها بكيس صغير، وفِي الطريق سمعت من ينادي على العوجة: الكيلو بستة آلاف، دنوت من بضاعته فوجدتها أكبر وأنضر.
في البيت (عاتبتني زوجتي) قائلة بحدة هذا البابونج. «للكب» ألم تره، بائتاً خرباناً (معسئلاً)، أجبتها كان السوق كالعاصفة الهوجاء، تصوري حاولت الاتصال بك لسؤالك، كان الباعة ينهرونني رافضين السماح لي بمكالمة هاتفية. من ينسى هاتفه يتبهدل….!!
أهم قانون في علم الاقتصاد قانون العرض والطلب، كلما ازداد الطلب ارتفعت الأسعار والعكس صحيح.
عشنا وما نزال نعيش خروجا عن المألوف، على صعيد ارتفاع الأسعار أكثر مما هي مرتفعة بسبب الحرب والحصار وكورونا وأوكرانيا، ما جعل الرواتب الحكومية بشكل -خاص- ضئيلة جداً وبات شائعا أنها لا تكفي يومين، في ظل ارتفاع الفواتير وأجور النقل، ويجب أن نتوقف مطولا عند أجور النقل داخل المدن أو بين المدينة والريف القريب، ما جعل الموظفين غير قادرين على الدوام اليومي لأنه مرهق ماليا.
القائمة تطول وفِي رأيي أنها معروفة:قال السيد رئيس مجلس الوزراء في ١-٣-٢٠٢٢ في مقابلة تلفزيونية: «الراتب لا يكفي وهذا هم الحكومة».
وكلنا يعلم ويدرك أن الموارد محدودة، ولكن لا بديل، وما يشجعنا على المطالبة علنا وليس مواربة، أنه بعد زيادة تموز 2021، جاءت زيادة كانون الأول 2021، بمعنى أن الفاصل الزمني كان أقل من خمسة أشهر!!
إن الرواتب والأجور الأفضل، دواء، وليست ثراء أو بحبوحة، ومع مجيء العيد يكون قد مضى أربعة أشهر ونصف الشهر على آخر زيادة، وهذا ليس خطأ أو أمرا مستهجنا، إذ لابد من الارتقاء بالرواتب والأجور لتقترب على الأقل من تلبية الاحتياجات الأساسية جداً للأسرة السورية، فإذا ما كان هناك من زيادة فلتكن مجزية وإذا استقر الرأي على منحة فلتكن مجزية، لأن القليل، هدر.