اقتصاد

مديرون: ينشرون السعادة أينما ذهبوا.. ومديرون ينشرون السعادة إذا ذهبوا !

| د. سعـد بساطـة

يلملم الدكتور المدير (…) أوراقه من مكتبه في الطابق الثاني من مبنى الهيئة الـ(…) استعداداً لمغادرته بعد أن قضى سنوات طويلة رئيسا لها.. وبحكم القانون لا يجوز التجديد له؛ وبذاك فإن مغادرتـه هي مغادرة اللاعائد إلا زائراً وضيفاً..!

خلال تلك السنوات تحمّل صاحبنا الكثير من مدح وذم من الرؤساء والمرؤوسين على مختلف اتجاهاتهم.. سنوات مشى فيها يعبِّد طريق النجاح يساراً ويميناً وقاد أموراً كبرى وأخرى صغرى في بعض الأماكن الأخرى..

نعم يلملم أوراقه ولا أعلم ماذا يخبّئ له المطبخ الإداري؟ وهل في باله أن يرسله إلى موقع عمليٍّ جديد أم إنه سيعود إلى بيته الذي هجره منذ استلم مسؤولياته الإدارية..؟

يجيب هنا صديقي م. عـصام – من خبرته في العـمل بآسيا – هنالك حكمة يابانية تقول: «لحظة اللقاء الأول هي بداية التحضير للوداع»، وقد تنطبق هذه المقولة بشكل كبير على المديرين والمسؤولين عند توليهم للمناصب، ويروي أحد المديرين السابقين قائلاً: «عندما غادرت منصبي، أقام أحد الزملاء حفلاً كبيراً لموظفي الوزارة احتفالاً برحيلي، رغم أنني لم أؤذه يوماً، ولكني كنت منضبطاً، وأحاول أن أحارب التسيب في العمل، وبعد أكثر من سنة، فوجئت بالرجل نفسه يطرق باب بيتي، ويقبل رأسي قائلاً: أعتذر إليك! لم أعرف كم كنت راقياً ومنصفاً في تعاملك مع الموظفين إلا بعد أن جاء من خلفك.. سامحني أرجوك..».

قبل أن نستطلع كيف يجب على المدير أن يتعامل مع فريقه ومع من تولى مسؤولية خدمتهم؛ لا بأس أن نعـرض أن هنالك مدرستين في الإدارة؛ الأولى: ترغـب في بقاء المدير سنوات طوال بخبراته التي تتراكم مع الزمن؛ وأخرى تختلف عـنها؛ فهي تدعـو للتجديد كل 4-6 سنوات؛ فالمدير الجديد له رؤية مختلفة مما يثري العـمل.

هنالك قصص كثيرة لمسؤولين اغتروا بمناصبهم، فمنهم من كان لا يقبل بوجود أي كرسي في مكتبه إلا كرسيه ليظل الموظفون واقفين على حين هو جالس على كرسيه، وآخرون كان شغلهم الشاغل التسويق الذاتي على منصات التواصل ووسائل الإعلام من دون اكتراث حقيقي بالعمل والمسؤوليات الكبيرة على عواتقهم، أما الأسوأ على الإطلاق فمن كانوا يمارسون التجبر والتسلط على موظفيهم باستخدام قوة السلطة، ولم يعد أحد يلقي لهم بالاً بمجرد أن غادروا تلك الكراسي.

نستعرض عدداً من النصائح عبر التاريخ حول فن التعامل مع الموظفين:

«الخير الذي تفعله في الصباح، سوف ينساه الناس غالباً في المساء، هذه هي الحياة ويحدث هذا مع الجميع، لذا لا تتذمر واستمر بفعل الخير»، باولو كويلو.

«من تصدر لخدمة العامة، فلا بد أن يتصدق ببعض من عرضه على الناس، لأنه لا محالة مشتوم، حتى وإن واصل الليل بالنهار»، ابن حزم الأندلسي.

«كن كمن لا يبتغي محمدة الناس ولا يكسب ذمهم، فنفسه منهم في عناء والناس منه في راحة»، لقمان الحكيم.

«من السهل التعامل مع التماسيح لأنهم يحاولون قتلك وأكلك مباشرة، ومن الأصعب التعامل مع الناس لأنهم يتظاهرون بأنهم أصدقاؤك في البداية»، ستيف إروين.

«المديرون الأكفياء يحبون من تلقاء أنفسهم خدمة من هم في حاجة إلى هذه الخدمة»، فيودور دوستويفسكي.

وختاماً، فجميع المديرين والمسؤولين مصيرهم الرحيل عن الكرسي عاجلاً أم آجلاً، والكل سيغادر، وسيذهب اللقب، ولن تبقى إلا الذكرى طيبة كانت أم سيئة، وستنطق من خلفك وتشهد عليك أعمالك. وتعجبني كلمة سفير أسبق كان يزور الدولة المضيفة من فترة لأخرى بعد رحيله، ويحرص الكل وعـلى رأسهم موظفوه السابقون على الاحتفاء به رغم تقاعده وتركه للمنصب، ويعبر عن ذلك بقوله: «عندما آتي أطمئن لأعرف هل كان عملي ناجحاً أم لا من خلال علاقات الصداقة الإنسانية مع المسؤولين والشعب في خدمة بلدي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن