ثقافة وفن

عبد السلام العجيلي.. ذكرى وذاكرة … قال قبل وفاته: شبعت من الحياة وما عدت أرغب بالمزيد

| سارة سلامة

في عام 2006 وتحديداً في الخامس من شهر نيسان، رحل الأديب والسياسي عبد السلام العجيلي، بعد أن خلّف وراءه عشرات الكتب بين روايات، ومجموعات قصصية، ومقالات في الأدب والثقافة والسياسة والفن والطب، ولد العجيلي عام 1919، وكتب أولى قصائده الموزونة وهو في الـ15 من العمر، متأثراً بالجو الثقافي الذي نشأ به، فهو حفيد حميد العجيلي، الذي عُرف عنه تأليف الشعر البدوي، وتعد مجموعاته القصصية الاثنتا عشرة مدونة سردية مؤسسة ودالة على ظاهرة القص العربي، حيث بلغ عدد أعماله أربعة وأربعين كتاباً حتى عام 2005.

وهو ابن قرية بسيطة تتربع على ضفاف الفرات في مدينة الرقة، انطلق منها ليصبح أيقونة في عالم الأدب، واختار في بداية مشواره الانتقال إلى حلب، ليدرس الطب ويضمد جراح الناس، إلا أن المرض أجبره إلى الانقطاع عدة سنوات عن الدراسة، ليتفرّغ خلالها للمطالعة، مختارا الكتب الدينية والقصص الشعبية التي نمّت لديه الحس الأدبي، وحرّكت شغف الموهبة عنده، فنشر في عام 1936 أولى قصصه بعنوان «نومان» من خلال اسم مستعار؛ في مجلة «الرسالة» المصرية ركز فيها على حياة البداوة وبساطة أهل بلدته الجميلة.

وتعتبر كتابات العجيلي في المجال الأدبي من ضمن أغنى وأهم الروايات الأدبية العربية في تاريخ الأدب العربي وقد ترجمت معظم أعماله إلى الإنكليزية والفرنسية والإيطالية والإسبانية والروسية، وتدرس العديد من أعماله في الجامعات والمدارس وهو اليوم مرجع من مراجع الأدب العربي.

وفي ذكرى وفاته السادسة عشرة نستذكر ما قاله بسطور «لقد شبعت من الحياة، عشتها بكل ما فيها، وما عدت أرغب في المزيد»، من خلال هذه الجملة لخص الكاتب السوري الراحل حياته التي امتدت لأكثر من 86 عاماً، وجمعت بين السياسة والأدب والعائلة.

مسيرة حياة

تربّى العجيلي على يد جدّه الصارم تربية إسبارطية، وتلقى تعليمه الابتدائي في الرقة وحمل الشهادة الابتدائية عام 1929، بعدها مضى إلى دراسة الإعدادية في ثانوية المأمون بحلب قبل أن يلتحق بكلية الطب في جامعة دمشق، ويعود إلى الرقة طبيباً ويشرّع باب عيادته فيها منذ ذلك الحين حتى نيّف على الثمانين، انتخب نائباً عن مدينة الرقة عام 1947، وكان من الشباب السوريين الذين انخرطوا وحاربوا في صفوف جيش الإنقاذ عام 1948.

ودخل في العاصمة إلى عالم السياسة والتظاهرات ضد الاستعمار الفرنسي والنشاطات السياسية فعاد إلى الرقة حاملاً شهادة الطب ومغامرة السياسة واستطاع أن يدخل البرلمان السوري كأصغر نوابه سناً عام 1947 مرشّحاً عن الرقة. وبعدها انتقل من العمل النيابي للتطوع مع «جيش الإنقاذ العربي»، في الحرب ضد الاحتلال عقب النكبة عام 1948 وكان لتجربة الهزيمة أثرها في كتابيه «فلسطينيات» و«نبوءات الشيخ سليمان».

طبيب يهوى السياسة

بعد النكبة عاد العجيلي إلى ممارسة الطب في الرقة بعيداً عن السياسة، ورغم أنه لم يتفرّغ للكتابة إلا أن صفة الأديب طغت عليه أكثر من الطبيب والسياسي فكتب مجموعة من القصص القصيرة في تلك الفترة كـ«الخائن» و«ساعة الملازم» و«رصيف العذراء» ليثبت اسمه بجدارة كواحد من رواد القصة القصيرة في العالم العربي، إلا أنه في مطلع الستينيات عادت السياسة لاجتذابه مجدداً؛ فتسلّم خلال سنوات انفصال سورية عن مصر عدة حقائب وزارية كالإعلام والخارجية والثقافة، وبقيت الكتابة تغريه فأصدر المزيد من المجموعات القصصية المتنوعة وأشهرها «قناديل إشبيلية»، يصف زياراته إلى المدن الأوروبية ورحلاته حول العالم على شكل حكايا كتبها في «حكايات من الرحلات». كما كان له دور في الثمانينيات بقيادة حملة طبية لمواجهة انتشار مرض شلل الأطفال واستطاع نشر اللقاح المجاني ضد المرض والقضاء عليه بنسبة كبيرة.

واستمرّ في الكتابة حتى آخر سنوات حياته حين أصدر كتاباً عن تجربته في «حرب فلسطين» وذكرياته عنها بعنوان «جيش الإنقاذ» في العام 2005.

كما تولى عدداً من المناصب الوزارية في وزارة الثقافة ووزارة الخارجية والإعلام عام 1962، ويعد أحد أهم أعلام القصة والرواية في سورية والعالم العربي.

الكتابة سلوك

قد تكون الكتابة أحد أسرار العجيلي وسلوكاً يتبعه، فهو ما إن حصل على الثانوية، حتى بدأ بنشر قصته الأولى «نومان» عام 1936بتوقيع ع. ع في مجلة الرسالة المصرية، كما نشر بأسماء مستعارة قصصاً وقصائد وتعليقات في مجلة «المكشوف» اللبنانية وفي سواها من الدوريات الدمشقية إلى أن فضح السرّ سعيد الجزائري وهو من أدباء دمشق، وفي عام 1943 فازت قصته «حفنة من دماء» بجائزة لمسابقة القصة.

وتعرف العجيلي في مصر عام 1948 إلى الشاعر أحمد رامي، وأنجز في هذا العام مجموعته القصصية الأولى «بنت الساحرة»، كما ألف مع عدد من الكتاب السوريين الظرفاء «عصبة الساخرين» وهو الذي اقترح عليهم اسمها، ويعتبر العجيلي الأدب متعة وهواية ويكاد لا يبقى لهذه الهواية سوى وقت يسير يتبقى بعد موجباته في مهنة الطب، وكذلك بعد موجبات الأسرة وإدارة إرث أبيه الذي توفي سنة 1963، حيث يقول: «إنني لا أنظر إلى الكتابة الأدبية كعمل بل كنوع من أنواع السلوك»، وبكلامه هذا لم يكن العجيلي ينتقص من الاحتراف فقد كتب بعد ذلك القصة والرواية والشعر والمقالة.

أبرز الأعمال

قدّم العجيلي عام 1951 مجموعة شعرية حملت اسم «ليالٍ ونجوم»، ومجموعة قصصية تحت عنوان «ساعة الملازم»، وتتكون من تسع قصص قصيرة، وفي العام نفسه سافر العجيلي إلى فرنسا ليفتتح بتلك الرحلة التي استمرت ستة أشهر، نحو 20 عاماً من الأسفار بين دول العالم، وشكّلت مصر إلهاماً للعجيلي في تلك الفترة لتقديم المزيد على صعيد الأدب.

وبين عامي 1954 و1958، ألف العجيلي كتاب «حكايات من الرحلات» الذي يندرج ضمن أدب الرحلات، وهو نوع أدبي قائم مثل أدب المراسلات وأدب الاعتراف وأدب السجون، إضافة إلى مجموعة قصصية بعنوان «قناديل إشبيلية»، كما كتب عام 1959 روايته الأولى «باسمة بين الدموع»، والمجموعة القصصية «الحب والنفس»، ثم جاءت رواية «رصيف العذراء السوداء» والمجموعة القصصية «الخائن» عام 1960.

وفي عام 1965 قدّم عبد السلام العجيلي الكثير من الأعمال الأدبية التي تنوعت في النوع وأسلوب الطرح، ومنها «الخيل والنساء» و«من الذي أقتل» و«ثلاث رسائل أوروبية» و«أحاديث العشيات»، و«أشياء شخصية» عام 1968.

ومن أبرز أعماله أيضاً، «فارس مدينة القنطرة: قصة أندلسية»، و«حكاية مجانين»، وكتاب «السيف والتابوت»، ورواية «أزاهير تشرين المدماة» و«عيادة في الريف» و«سبعون دقيقة حكايات»، و«تجاربي في واحد وسبعين عاماً»، و«الحب الحزين»، وفي عام 1982، جمع العجيلي ما ألقاه تحت أدب الرثاء ضمن كتاب حمل اسم «وجوه الراحلين».

«جيل الدربكة» و«فلسطينيات عبد السلام العجيلي» و«محطات من الحياة» و«مجهولة على الطريق»، هي أيضاً من أعمال عبد السلام العجيلي الأدبية التي شكلت بصمة وإضافة في تاريخ الأدب العربي، وحفظت للطبيب الأديب مكاناً بارزاً بين الكتّاب والأدباء السوريين.

واختتم العجيلي حياته الأدبية عام 2005، قبل أن يختتم الحياة ككل عام 2006، مقدماً في سنواته الأخيرة رواية «أجملهن»، وكتاب «ضد التيار»، و«حب أول وحب أخير» و«سعيد وسعاد»، وكتاب «جيش الإنقاذ».

صاغ شخصيته

لا بد من الكلام عن عوامل عدة صاغت عالم العجيلي القصصي، وهي البيئة الاجتماعية في وادي الفرات في مطالع القرن العشرين، المكونة من تشكيل اجتماعي بدوي إلى نصف حضري، حيث يعيش الناس على الحكاية، والمسامرات، وأحاديث العشيات، وحيث الأسرة المتناسلة من السادة الحسينيين، الذين تروى عنهم في تلك الربوع حكايات الكرامات والخوارق والأعاجيب. فينحو الناس على حدث يجدونه مؤهلاً للإبهار، ويكرمون الدراويش والمجذوبين، ولا يجمعونهم في سفينة الحمقى. وذلك بالاتساق مع الوعي السياسي الاجتماعي بالتحديث وبفكرة الدولة، إلى جانب مجتمع الغجر المحيط، الذين يترددون على المكان بوعيهم الميتافيزيقي. عرفت حياة الناس في تلك المضارب العناصر المسرحية الآتية من المسرح التاريخي في علاقته بالتحول القومي، والعناصر المسرحية التي تحملها الطقوس، وكذلك ما حمله الاستعمار الفرنسي من جديد.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن