قضايا وآراء

«شغل أبو ناجي»

| أحمد ضيف الله

«شغل أبو ناجي» تعبير شاع العراقيون على إطلاقه منذ عشرينيات القرن الماضي، وما زال، وهو في الموروث الشعبي العراقي، وصف للمؤامرات والدسائس السياسية، كما يُطلق للتعبير عن متانة وجودة منتج ما.

أبو ناجي هذا، تاجر بغدادي، بعضهم يقول: إنه مسلم، وآخرون يهودي، لديه بيت كبير فيه حديقة جميلة تطل على نهر دجلة، يرتادها أصدقاؤه للتسامر عصر كل يوم.

الباحثة والمستكشفة وعالمة الآثار البريطانية غيرترود بيل، التي عملت في العراق مستشارة للمندوب السامي البريطاني بيرسي كوكس عند احتلاله في الـ11 من آذار 1917، انتبهت إلى ذلك، وصارت هي الأخرى تزور أبو ناجي وتروي له ما فعلته الإدارة البريطانية في العراق، وما تنوي القيام به من مشاريع، وعندما تخرج «المس بيل»، كما يسمونها، من ضيافته وينصرف للقاء أصحابه في مقهى التجار مساءً، كان يروي لهم ما سمعه منها، وهم بدورهم يرددون ما يسمعونه منه، فتنتشر الأخبار على أن المصدر أبو ناجي، بالمقابل كانت «المس بيل» تنقل كل ما تسمعه إلى الإدارة البريطانية، وعندما تسأل هي الأخرى عن المصدر، تقول أبو ناجي.

وبمرور السنين أصبحت كلمة أبو ناجي في العراق مرادفة للإنكليز والسياسة البريطانية وللمخبرين، ولمصدر كل مؤامرة، فمقتل الملك غازي اعتبره العراقيون من «شغل أبو ناجي»، إذ كيف يموت ملك، بانقلاب سيارته؟ ما لم يكن من تدبير الإنكليز.

رئيس تحالف الفتح هادي العامري، قال خلال استقباله السفير البريطاني لدى العراق مارك باريسون ريتشاردسون في الـ2 من نيسان الجاري، وفقاً لبيان لمكتبه: «لدينا معلومات من جهات مخابراتية أجنبية تؤكد تدخلكم المستمر في الوضع السياسي ونعتقد أن استقرار العراق هو استقرار المنطقة وعلى الجميع معالجة الانسداد السياسي من أجل استقرار المنطقة».

وفي حديث لبرنامج «عشرين» الذي بثته «فضائية السومرية» في الـ6 من نيسان الجاري، قال النائب عن ائتلاف دولة القانون عارف الحمامي: إن المشروع الثلاثي الذي يضم التيار الصدري والحزب الديمقراطي الكردستاني وتحالف السيادة، «تقوده المخابرات البريطانية والأميركية وتركيا وقطر والإمارات».

مارك برايسون ريتشاردسون، الذي عمل سابقاً في البصرة كقنصل، وتسلم مهامه كسفير بريطاني لدى العراق في الـ15 من تموز 2021، وفي حديث مصور مسجل على موقعه في «تويتر»، كان قد قال: «هذه هي المرة الثانية لي في العراق بعد العمل كمساعد سفير قبل عدة سنوات»، مشيراً إلى أنه يتطلع «لمعرفة المزيد عن تاريخ العراق بصفته مسلماً»، وأنه «يقضي وقت فراغه في مشاهدة مباريات كرة القدم والحديث إلى ابنه علي في لندن لتحسين لغته العربية».

السفير البريطاني السابق ستيفن هيكي، الذي كانت الأحزاب والقوى السياسية العراقية قد أدانت في بيانات عدة تدخلاته العلنية بالشأن العراقي، والذي كانت الخارجية العراقية قد استدعته أكثر من مرة لسلوكه البعيد عن المهام الدبلوماسية، سبق أن وضع مقطعاً مصوراً في صفحته على «تويتر» في رمضان العام الفائت، معلناً أنه ينوي الصيام في هذا الشهر ليعيش تجربة المسلمين، عارضاً سحوره المكون من لبن وتمر وماء.

السفيران البريطانيان الحالي والسابق، يعيدان إلى الذاكرة حكايات أجدادنا وآبائنا عن خبث الإنكليز وخداعهم من أجل تحقيق أهدافهم العدوانية في العراق.

بريطانيا تستغل فتنة تزوير الانتخابات النيابية لتغيير البنى السياسية في اتجاهات متعدّدة، ولضرب القوى السياسية بعضها بعضاً من خلال تبنيها التسويق الإعلامي المنظم لمرشح التحالف الثلاثي «إنقاذ وطن» محمد جعفر الصدر، السفير العراقي فوق العادة في بريطانيا منذ تشرين الأول 2019، لرئاسة الحكومة المقبلة، وهو نجل مؤسس حزب الدعوة الإسلامية المرجع الديني والمفكر والفيلسوف محمد باقر الصدر الذي أعدمه نظام صدام حسين عام 1980، لإحراج القوى السياسية الإسلامية، ولزرع الفتنة داخل حزب الدعوة الذي يرأسه نوري المالكي رئيس ائتلاف دولة القانون.

بريطانيا ساهمت سابقاً، بتسويق حيدر العبادي رئيس الوزراء الأسبق والقيادي في حزب الدعوة، حامل الجنسية البريطانية، الذي في عهده عاد الجيش الأميركي المحتل مرة أخرى إلى العراق بعد طرده منها أواخر 2011.

ما من كارثة في العالم، إلا ولبريطانيا إصبع فيها، الكيان الصهيوني خلقه وعد وزير الخارجية البريطاني آرثر بلفور. احتلال العراق وتدميره، كان لرئيس الوزراء البريطاني توني بلير الدور الأساس في تزعم تسويق فكرة امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل التي ثبت زيفها. وحتى ما يجري الآن في أوكرانيا، لاحظوا من يحمل طبل التحريض على استمرار الحرب فيها، إنه بوريس جونسون رئيس الوزراء البريطاني.

عظيم الهند المهاتما غاندي، يقول: «إذا تخاصمت سمكتان في البحر فإن الإنكليز وراء هذه الخصومة السمكية»، والعراقيون مازالوا حتى الآن يرددون، أن ما يجري في العراق، أو سورية، أو في أي بلد عربي أو أجنبي كله من «شغل أبو ناجي».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن