حين قام الرئيس التونسي قيس سعيد باتخاذ قراراته الجريئة في 25 تموز 2021، كتبت زاوية بعنوان «أول الغيث قطرة»، آملة أن يكون هذا التحرك هو الإشارة الأكيدة لاجتثاث ما تبقى من التراث الدموي لعصابة الإخوان المسلمين من الوطن العربي، بعد أن أسستها المخابرات البريطانية وفق نظريتهم الاستعمارية «فرّق تسد»، وبعد أن فشلوا في مصر وسورية، وتوضح دورهم كأداة تخدم المصالح الإسرائيلية ضد العرب، ولذلك اتخذت دول عربية عديدة إجراءات حازمة ضدهم.
في الأيام الأخيرة، وبعد أن أخذ رئيس مجلس النواب التونسي السابق زعيم حركة النهضة الإخوانية راشد الغنوشي يحاول عرقلة خطوات سعيد اتخذ الرئيس قراراً بحلّ البرلمان، وحينها لم يعد زعيم عصابة الإخوان المسلمين العميلة في المنطقة رجب أردوغان، قادراً على التزام الصمت فانبرى يتدخل في الشؤون الداخلية لتونس حيث قال: «إن التطورات في تونس تشويه للديمقراطية وحل البرلمان الذي لا يوجد فيه مسؤولون منتخبون مدعاة للقلق على مستقبل تونس وضربة لإرادة شعبها».
من الواضح أن خطوات الرئيس سعيد قد أثارت حنق أردوغان الذي مازال يمارس النفاق مع كل الأطراف الإقليمية والدولية وهو في حقيقته لا يتعدى لكونه زعيم مشروع إسرائيلي يستخدم الإخوان المسلمين كأداة إرهابية ضمن مخطط مجهز من قبل المخابرات الإسرائيلية وبدعم من المخابرات الغربية المعادية للعرب، وأردوغان هذا مجرد طاغية وعثماني جديد يعيد مسيرة أجداده من سلاطين الظلم والتجهيل، ودوره واضح في التواطؤ مع الصهاينة ضد فلسطين وشعبها سابقاً ولاحقاً، وهو الذي يقوم جيشه باحتلال أجزاء من سورية والعراق، وهو من درب وسلح وأرسل مئات الألوف من الإرهابيين لقتل وتهجير الملايين من السوريين والعراقيين في تناغم لا يطوله الشك مع مخططات الحركة الصهيونية في المنطقة وإلحاق بالغ الأذى بالعرب والوطن العربي تاريخاً وثقافة وحضارة وحاضراً ومستقبلاً.
الغريب أن هناك بعض العرب مازالوا يصدّقون أكاذيب أردوغان التي تدعي الدفاع عن الإسلام أو التعاضد مع جيرانه العرب، تماماً كما صدقوا وتوارثوا الكذبة التاريخية المماثلة أن الاحتلال العثماني للأمة العربية كان فتحاً إسلامياً وخلافة إسلامية، وهناك من يصدّق الدعاية التي تروجها المخابرات التركية بأن السلطان عبد الحميد قد رفض الموافقة على إعطاء أرض فلسطين كوطن قومي لليهود، وكثيرون بين ظهرانينا مازالوا يؤمنون بصحة ذلك حتى هذا اليوم رغم أن الوقائع التاريخية الدقيقة تثبت أن التواطؤ العثماني كان أساسياً ومهماً في تمكين الصهاينة من الاستيطان في فلسطين.
رغم كل مناورات وفرمانات السلطان عبد الحميد التي تشبه إلى حد بعيد كل مراوغات ونفاق أردوغان في العقدين الأخيرين، فإن الحقيقة التاريخية هي أن عبد الحميد لعب دوراً فاعلاً في الهجرة اليهودية إلى فلسطين وتنامي المستوطنات، وبدأت هذه العلاقة بين السلطنة العثمانية والصهاينة من السلطان العثماني عبد المجيد الأول الذي وقع اتفاقاً عام 1840 مع موسى مونتيفوري بمعاونة هنري جون تيمبل رئيس وزراء بريطانيا، يقضي بمنح اليهود امتيازات داخل فلسطين وفي كل أرجاء الدولة العثمانية، حيث شكّل هذا الاتفاق بداية سرطان الاستيطان الصهيوني الذي سرى في جسد فلسطين وبدأ يأخذ الشرعية بفرمانات السلاطين المتلاحقة إلى أن جاء عهد عبد الحميد الثاني سنة 1876، ومع عصره بدأ سرطانهم يتوحش ويأخذ أبعاده على أرض فلسطين كلها بدعم من الدول الاستعمارية الغربية.
كانت علاقة السلطان عبد الحميد الثاني وطيدة جداً مع زعيم الحركة الصهيونية العالمية تيودور هرتزل، تماماً كعلاقة أردوغان بالصهاينة اليوم، ورغم التحايل من أجل عدم كشف الدعم الحقيقي الذي قدمه للحركة الصهيونية، إلا أن الوقائع تثبت عدد وأسماء المستوطنات الصهيونية التي بنيت على أرض فلسطين خلال فترة حكمه من عام 1876-1909، فخلال فترة حكم السلطان عبد الحميد الثاني، أسس اليهود ثلاثاً وثلاثين مستوطنة على أرض فلسطين واستحوذوا على مئات الآلاف من الدونمات من أرض فلسطين وقاموا بتهجير عشرات الآلاف من يهود أوروبا إلى فلسطين، وتم تأسيس الكثير من هذه المستعمرات في وقت ادّعت فيه الدولة العثمانية أنها شددت من إجراءاتها لمنع دخول اليهود! بل واعترفت الدولة العثمانية بوجود المستعمرات وهو ما سمح للبارون روتشيلد بتسجيل الأراضي التي اشتراها باسمه وسمحت لليهود بشراء الأراضي، فقد كان عدد اليهود في فلسطين عام 1882 أربعة وعشرين ألفاً فقط في حين وصل في نهاية القرن التاسع عشر إلى خمسين ألفاً وفي عام 1908 إلى 80 ألفاً أي نحو ثلاثة أضعاف ما كان عددهم عام 1882.
إن تاريخ الاستعمار العثماني لبلادنا وعداءهم للعرب وأطماعهم بضم أراضينا وتواطؤهم مع الصهاينة للسماح لهم بالهجرة والاستيطان في فلسطين العربية واضح للعيان بشكل يثير الشكوك بأصول حكامهم المشبوهة، في حين يحاول عملاؤهم من الإخوان بدفع من المخابرات التركية أن يبرّؤوا العثمانيين من هذه الجريمة التاريخية من خلال تلاعبهم بالفرمانات والسرديات والتصريحات ويعتبر أنموذجاً يتبعه أردوغان منذ توليه الحكم في تركيا وتحركاته البهلوانية من سفينة مرمرة إلى كل التصريحات الكاذبة التي يطلقها دعماً للفلسطينيين، في حين تتوطد علاقته المخابراتية والعسكرية والاقتصادية بشكل لا لبس فيه مع الكيان الغاصب ويبلغ حجم تبادله التجاري مع هذا الكيان مليارات الدولارات، في حين لم يقدم دعماً واحداً للقضية الفلسطينية العادلة سوى التصريحات الكاذبة والمنافقة التي تهدف إلى التضليل وذرّ الرماد في العيون، في حين يحتل الأرض العربية في سورية والعراق ويشيد القواعد العسكرية في قطر وغيرها تهديداً للدول العربية وشقاً لصفوفها.
إن احتلاله لأجزاء من الأراضي السورية والعراقية وتدخله الخبيث في ليبيا واليوم تطاوله بالتدخل في الشأن الداخلي التونسي، كما تدخل في الصراع في ناغورني كاراباخ ضد إيران، وفي أوكرانيا ضد روسيا، كل هذا كفيل بتعرية نفاقه واتضاح صورته أمام العالم برمته وخاصة أمام العرب في مختلف أقطارهم وأمام الحليف الروسي الذي أسقط عدداً من طائرات بيرقدار التي أرسلها أردوغان إلى حكومة أوكرانيا لقتال روسيا.
إن اللـه سبحانه وتعالى وضع المنافقين في الدرك الأسفل من النار لأنهم أخطر من الكافرين، وفي كل عقاب يتقدم المنافقون على الكافرين، لأنهم الأخطر على حياة البشر وجميع مناحي حياتهم، فكيف إذا كانوا قد مردوا على النفاق باسم الإسلام ماضياً وحاضراً وأتقنوا التلاعب بأدواته لتحقيق أهدافهم الخبيثة.