قضايا وآراء

الفلسطينيون «يحاصرون حصارهم»

يعترف الجنرال المتقاعد من قوات الاحتلال غيرشون ها كوهين في تحليل نشره في عدد من وسائل الإعلام العبرية ومنها «القناة 12» في 8 نيسان الجاري، حول عمليات المقاومة التي تصاعدت ضد قوات الاحتلال خلال أسبوع واحد، أن «الصراع مع الفلسطينيين وعملياتهم المسلحة لا يمكن أن يحسمه الجيش الإسرائيلي عن طريق الوسائل العسكرية في الميدان لمنع وقوعها، لأن الحرب ضد الفلسطينيين متعددة الأوجه ويجب شنها بمنظور استراتيجي شامل يرتبط بحماية المشروع الصهيوني كله».

ويوضح أن جميع الوسائل العسكرية لتصفية عمليات المقاومة لم تستطع إعطاء الرد الحاسم الذي يطمئن المستوطنين على وجودهم وبقائهم بأمان ويستشهد بما قاله رئيس الأركان السابق شاؤول موفاز في مقدمة كتاب حديث عن العملية العسكرية التي شنتها قوات الاحتلال باسم «السور الواقي» عام 2002 جاء فيها أن «العملية في النهاية لم تنجح في تصفية العمليات المسلحة ومازالت هذه المهمة على جدول العمل دون حسم».

يذكر ها كوهين أنه في عملية «السور الواقي» كان رئيس الحكومة أريئيل شارون قد قاد بنفسه قواته عندما اجتاحت منطقة جنين وارتكبت خلالها مذبحة في المدينة ومخيمها قبل عشرين سنة، ومع ذلك بقي أبناء جنين ومخيمها يتحدون قوات الاحتلال بجميع أشكال وأوجه المقاومة ويوسعون رقعة ميدانها.

ولذلك يعد الجنرال ها كوهين هذا الصراع بين الجانبين الإسرائيلي صراعاً وجودياً، جعل الكيان الإسرائيلي يدفع ثمناً باهظاً بسبب استمرار المقاومة واتساع أشكالها في ظل معادلة ديموغرافية تتطلب من قادة الحكومة الإسرائيلية سياسة إستراتيجية لا تعتمد على العمل العسكري وحده بل على خطة شاملة تحافظ على الإسرائيليين وتشجعهم على «البقاء في الكيان الإسرائيلي» وهو يستخدم عبارة البقاء في تحليله لأنه يدرك أن أحد العوامل التي يستمد منها الفلسطينيون ومقاومتهم القوة هو رؤيتهم للمستوطنين وهم يغادرون الكيان الإسرائيلي في هجرة معاكسة بسبب فقدانهم للأمن، وتزايد الشكوك بمستقبل المشروع الصهيوني، وهذا ما جعله يدعو في تحليله إلى اتباع خطة «تجعل الفلسطينيين يرون أن الإسرائيليين باقون ولن يرحلوا» على حد تعبيره.

يبدو أن الجنرال ها كوهين اتضح له أن تزايد عدد الفلسطينيين في الأراضي المحتلة في الداخل المحتل عام 1948 وفي الضفة الغربية وقطاع غزة يؤدي إلى تزايد مقابل في عمليات المقاومة وهذا ما تشهده تلك الأراضي بعد أن أصبح عدد الفلسطينيين المنتشرين فيها سبعة ملايين تقريباً يعيشون دون أي حقوق وتحاصرهم قوات الاحتلال بحواجز عسكرية يزيد عددها في الضفة الغربية على 500 حاجز تمتد داخل المدن وبين القرى، ويحيط بهم جدار فاصل غالباً ما يخترقه المقاومون لشن عملياتهم داخل مدن الكيان الإسرائيلي، وقد لاحظ ها كوهين أن هذا الجدار الذي يمتد على طول ما يزيد على 600 كيلومتر لفصل الضفة عن بقية أراضي فلسطين المحتلة منذ عام 1948، لم يمنع انتقال رجال المقاومة من مدن الضفة الغربية مثل جنين وغيرها، إلى داخل تلك الأراضي ومعهم أسلحتهم، وهو ما قام به الشهيد رعد فتحي حازم حين وصل إلى تل أبيب قبل أيام، ويسخر ها كوهين في تحليله من الجدار الفاصل الذي كلف أموالاً هائلة ولم يمنع اختراق الفلسطينيين له من أراضي الضفة الغربية.

هذا الواقع دفع عدداً من المستوطنين في تل أبيب وغيرها، إلى الإعراب في وسائل التواصل الاجتماعي، عن زيادة قلقهم ومخاوفهم من فقدان الأمن الشخصي حتى في المدن، ويتساءل بعضهم عما يمكن أن تفعله قوات الاحتلال في مواجهة سبعة ملايين فلسطيني مستعدين لاختراق الجدار؟ وها كوهين نفسه يحذر من ردود الفعل التي يتبادلها المستوطنون في وسائل التواصل الاجتماعي والتعليق على الأخبار، لأنها تثبت للفلسطينيين أنهم يحققون نتائج تشجعهم على المقاومة مهما كان شكلها، ويرى البعض الآخر من المستوطنين أنهم يديرون حياتهم ضمن أقسى شروط الحذر الأمني ولا يختلف وضعهم عن الفلسطينيين الذين تحيط بهم قوات الأمن الإسرائيلية من كل جانب بهدف منع استهدافهم وربما تدل هذه المقارنة على درجة الإحباط الذي تفرضه مقاومة وصمود الشعب الفلسطيني داخل ما بقي من أراضيهم وربما ينطبق على هذا الدور الذي يقوم به الفلسطينيون في صمودهم ومقاومتهم عبارة: «حاصر حصارك» للشاعر محمود درويش.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن