إن المحاولات الأميركية البريطانية المستمرة منذ سابق الزمن حتى راهنه، تهدف لإحكام الطوق الأطلسي الأمني والعسكري والنووي والاقتصادي، وإحكام الدرع الصاروخية الأطلسية حول روسيا الاتحادية، الأمر الذي أدى إلى نشوء الأزمة الأوكرانية المعقدة، بدءاً بانقلاب نازي على الشرعية الدستورية، وتنصيب الدمية الأميركية اليهودي إسرائيلي الجنسية فلودومير زيلينسكي رئيساً للبلاد، وممارسة عمليات نازية عنصرية وحشية ضد الأغلبية الروسية في إقليم دونباس، وافتعال انشقاق غير مبرر للكنيسة الأرثوذكسية الأوكرانية، بدعم من بطريرك القسطنطينية برثلماوس الموالي لسلطنة أردوغان العثمانية.
الحقائق باتت فوق الطاولة واضحة للعيان في إطار لعبة مكشوفة تصب أهدافها في مصلحة الإمبريالية الأميركية ومن يدور في فلكها عبر حلف شمال الأطلسي الذي يشكل رأس حربة عدوانية تلك الإمبريالية ضد شعوب العالم، وخاصة ضد الشعبين الأوكراني والروسي، وعبر الاتحاد الأوروبي الذي بات بمثابة ذلك «الرجل المريض» المتهالك والمنقسم على نفسه، والقابع على سندان واشنطن وتحت مطرقتها الثقيلة منتظراً رصاصة الرحمة، ما لم يستدرك ويدرك حالته المزرية وينتفض من واقعه الراهن ضد الوصاية الأميركية غير الشرعية عليه، ولعل الأزمة الأوكرانية يمكن أن تشكل الفرصة الأخيرة والمدخل الموضوعي الملائم للتمرد الأوروبي على تلك الوصاية، واغتنام التطورات الدراماتيكية الراهنة في العالم أجمع.
إن حلف الناتو سيئ الذكر والسمعة، يشارك بصورة فعلية في العمليات العسكرية المستمرة في أوكرانيا، إن عبر الخبراء والمستشارين العسكريين الأميركيين والقوات الأميركية والأطلسية الموجودة على الأرض الأوكرانية، أو عبر وكلاء الناتو من النازيين الأوكرانيين، أو عبر استقدام واستجرار عصابات المرتزقة من بلدان العالم، ما يؤكد النيات الأميركية الرامية إلى جعل أوكرانيا قاعدة أميركية أطلسية مُرخِيَةً بظلالها العدوانية على الاتحاد الروسي، على غرار القواعد الأطلسية التي أقامتها واشنطن في كل من بولندا وليتوانيا وأستونيا ولاتفيا، ولاحقاً في فنلندا والسويد حسب ما يتردد من إشارات حول ذلك.
وهناك من يرى أن الولايات المتحدة الأميركية تسعى إلى تمكين أوكرانيا من امتلاك السلاح النووي، ما يشكل في حال تحقيقه واحداً من أخطر الملفات العدوانية على أمن الاتحاد الروسي ووحدته ووجوده وإستراتيجيته العامة ومستقبل شعوبه، ويخدم حسب المخططات الأميركية مساعي واشنطن للحيلولة من دون تطور آفاق وجوانب النهوض الدفاعي الروسي من جهة، ومن ثم التوجه باتجاه الصين لمحاصرتها عسكرياً واقتصادياً من جهة ثانية، بما يخدم الحلم الأميركي بترسيخ جذور القطبية الأميركية الأحادية المتأرجحة، والحيلولة من دون تحقيق قطبية متعددة في العالم، والعمل على تكريس وجودها العسكري وهيمنتها الاقتصادية على الساحة الدولية.
يمكن الاعتقاد بأن الإدارة الأميركية التي أخفقت في الحفاظ على ماء وجهها ولو أمام دميتها المهزوزة زيلينسكي فقط، تحاول الآن العمل على إطالة أمد العمليات العسكرية المستمرة على الساحة الأوكرانية، اعتقاداً منها بأن من شأن ذلك استنزاف القدرة الروسية على مواصلة عمليتها العسكرية، ما أثار ردوداً ساخرة من قبل العارفين بأن موسكو التي أقدمت على البدء بعمليتها العسكرية الاستباقية، قد وضعت في حساباتها كل ردود الفعل الأميركية والأطلسية، ما يؤكد استعدادها للمضي قدماً في تنفيذ أهداف تلك العملية من خلال مواجهة مدروسة بِحِرَفيَّةٍ عالية منقطعة النظير وثقة بالنصر الأكيد، تم الإعداد لها منذ أن رفضت كييف ومن ورائها الولايات المتحدة الأميركية مخرجات اتفاقية مينسك، وبعد أن تأكد للقيادة الروسية أن عدواناً عسكرياً أوكرانياً مبيتاً سيتم شنه ضد إقليم دونباس مع احتمال توسعه إلى الداخل الروسي، واستشعارها المنطقي مدى الخطر الذي يمكن أن يتعرض له الأمن القومي الروسي جراء عدوان كهذا.
وانطلاقاً من الهواجس الروسية التي لا يمكن تجاهلها أو التهاون فيها، تم تنفيذ العملية العسكرية الروسية الحالية التي ستستمر إلى حين تسليم كييف بالشروط الروسية المحقة والمشروعة، عبر التفاوض الذي يضمن الأمن القومي الروسي من جهة، ويحقق حياد أوكرانيا وخلوها من الأسلحة التقليدية وغير التقليدية من جهة أخرى، ما يدعو للتفاؤل بانتهاء الأزمة خلال وقت لن يكون بعيداً.