قضايا وآراء

لماذا دمرت أميركا الرقة؟

لم تستطع السنوات الخمس الماضية كي ذاكرة عشرات آلاف الرقاويين، ممن فقدوا أحبة لهم تحت ركام منازلهم المدمرة بواسطة آلة العدوان الأميركية، في حرب «تجريبية» هي من أقذر الحروب التي استخدمت فيها طائرات الاحتلال الأميركي جميع أنواع الأسلحة الجديدة، واليوم عادت «مأساة الرقة» إلى الواجهة من جديد، لتضع بصمة إضافية من العار على وجه العالم المتحضر.

وكشفت دراسة بحثية طلبتها وزارة الدفاع الأميركية «البنتاغون» عن تدمير 80 بالمئة من مدينة الرقة بنيران الاحتلال الأميركي، وكان يمكن الحيلولة دون ذلك، في «مسرحية» محاربة تنظيم داعش لطرده من المدينة التي جعل منها عاصمة الدولة الإسلامية التي ولدت أصلاً من رحم المشروع الأميركي في منطقة الشرق الأوسط.

تكشف الدراسة المؤلفة من 130 صفحة والتي أعدتها مؤسسة «رند» البحثية الأميركية المقربة من البيت الأبيض، أن هناك أكثر من 1600 قتيل من أبناء مدينة الرقة خلال عمليات دخول القوات الأميركية إليها في نهاية تشرين الأول 2017، وفي تناقض واضح بين أرقام هذه الدراسة التي تؤكد تدمير 11 ألف مبنى في المدينة إضافة إلى ثمانية مشافٍ و29 مسجداً و40 مدرسة وخمس جامعات، ومنظومة الري، ما يشير إلى أن عدد القتلى في مدينة الرقة تجاوز الرقم المعلن من المحتل الأميركي، ليصل إلى ما تعلنه المنظمات الإنسانية وهو 55 ألف شهيد، وهم جميع سكان الرقة الذين وجدوا عند بدء المعركة، ورفضت القوات الأميركية فتح ممر آمن لهم للخروج من المدينة، كما تؤكد دراسة مؤسسة «رند» ذلك.

قبل سنوات وتحديداً في نهاية 2017، وبعد انتهاء عمليات احتلال مدينة الرقة من القوات الأميركية، نشرت الـ«بي بي سي» البريطانية فضيحة الصفقة التي تمت بين «تنظيم داعش» الإرهابي والولايات المتحدة الأميركية، والتي تضمنت إخراج جميع عناصر التنظيم مع عائلاتهم من مدينة الرقة، والذين كان يتحصن أغلبهم في الملعب البلدي الذي يضم مباني تحت المدرجات يصعب على قصف الطيران الوصول للقاطنين فيها، وتم خروج هؤلاء الإرهابيين مع عائلاتهم إلى موقع غرب مدينة الرقة يدعى الجزرة، ومن ثم نقلوا في حافلات وشاحنات كبيرة إلى مدينة الميادين شرق دير الزور، ووثقت حينها «بي بي سي» هذه الفضيحة بشهادات الأشخاص الذين قاموا بعمليات نقل عناصر التنظيم، وأطلق على هذا الفيلم الوثائقي اسم «سر الرقة القذر»، وبعد فترة كشف القائد العسكري المنشق فيما يسمى ميليشيا «قسد» العميد طلال سلو، وقبل انشقاقه، أن عملية خروج عناصر تنظيم داعش الإرهابي من الرقة بموجب صفقة تمت بين التنظيم و«قسد» وبرعاية أميركية، ونفذها وجهاء العشائر من أبناء التنظيم ممن ينتمون لتنظيم داعش و«قسد».

كل هذه الحقائق كان الإعلام الوطني يتحدث عنها منذ اليوم الأول لدخول هذا التنظيم مدينة الرقة في مطلع 2014 عندما استفاق أهالي المدينة في ليلة رأس السنة ليجدوا ما يسمى «جبهة النصرة» تسلم كل مواقعها لتنظيم داعش.

اليوم مازالت الرقة مدينة مدمرة، مكلومة وثكلى، دخلها شذاذ الآفاق من كل بقاع الدنيا، وفيها تعيث جميع مخابرات العالم بما فيها الصهيونية فساداً، وكل يوم يدفع أبناؤها ثمن تجارب الولايات المتحدة الأميركية لأسلحتها، المزيد من المصابين بشتى أنواع الأمراض التي لم تكن معروفة، ويعتبر السرطان أقلها بشاعة، حتى باتت الرقة تحتل الرقم الأكبر في سورية بعدد حالات الإصابات بالأورام.

يبقى السؤال مطروحاً من دون إجابة، لماذا دمرت أميركا مدينة الرشيد الجميلة؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن