ثقافة وفن

الإعلام البديل.. «السوشيل ميديا» … جمال فياض لـ«الوطن»: لم نعد بحاجة إلا لإنترنت وجهاز ينقل ما نريده.. ولكن!

| محمد قاسم الساس

ظهر الإعلام البديل مع ظهور منصات الاتصال الاجتماعي- فيسبوك، تويتر، أنستغرام، يوتيوب، وغيرها من المنصات الرقمية- حيث يزداد استخدامها لنشر الأخبار والمعلومات يوماً بعد يوم، والتي جاءت أغلب أنشطتها كـ رد فعل على الرقابة الصارمة المفروضة من الحكومات، أو الشروط المعقدة من المؤسسات الإعلامية السائدة التقليدية، مع اعتبارها بوابة جديدة للإعلام التقليدي للتواصل مع الجمهور، وإيصال رسائله الإعلامية من خلالها، لتقديم أفضل خدمة إعلامية لمتابعيه، من خلال مواكبة التطورات العميقة التي تشهدها الصناعة الإعلامية في العالم، من جهة أخرى.

وفي ظل انعدام الرقابة عليه، تعرض لانتقادات عدة، منها ضعف المحتوى وركاكة اللغة، وانعدام المهنية والاحترافية.. ليطرح سؤالاً كبيراً حول إمكانية حلوله كبديل عن الإعلام التقليدي؟ وما إيجابياته وسلبياته؟

«الوطن» التقت الصحفي اللبناني د. «جمال فياض» الذي أوضح شكل الصراع بين الوسائل الإعلامية التقليدية فيما بينها، وصولاً للإعلام البديل، قائلاً:

«منذ سنوات بدأ الحديث عن موضوع الانحسار الذي ستعاني منه الصحافة الورقية المطبوعة. لم تكن المسألة تقصد الإنترنت بأي شكل. كانت التوقعات تشير إلى غلاء سعر الورق، وتكلفة الطباعة، في حين كان الراديو والتلفزيون يحتلان الصدارة، منتزعاً من الورق شعبيته».

وأضاف: «كانت جلسة قراءة الصحيفة لها طقوسها. فنجان قهوة، وجلسة في غرفة أو شرفة هادئة، أو على رصيف مقهى. بائع يأتيك بالخبر المطبوع عند عتبة المنزل. والأهمّ أن نسخة تصدر بعد الظهر أو في المساء في حالات الأحداث المتسارعة. فجأة، صارت الإذاعة تتصدر المشهد، ومن ثم جاء التلفزيون لينقل مباشرة كل ما نريد أن نعرفه. ثم صار يأتي بالمعنيين بالحدث إلى الأستوديو، فنسمعهم يتحاورون، ويتجادلون ويحللون. حذفت الشاشة جزءاً مهماً من امتيازات الصحيفة. كاد يقضي على المجلة. مراسل المجلة سينتظر أسبوعاً أو شهراً ليشاهد الصور التي التقطها، والمادة التي انفرد بها مطبوعة وبين الأيدي. ثم جاء من يقول إن التلفزيون سيذهب إلى النسيان قريباً، وسيكون لكل مشاهد محطته وبرامجه التي يشاهدها ساعة يشاء وحسب ما يناسبه. هنا صار الخطر على التلفزيون كبيراً، لكن على الورق داهم».

أكد د. «فياض» أن المطبوعات سقطت بالضربة القاضية، جراء ما نعيشه من تطور ملحوظ، قائلاً: «لا يغرّنكم المتبقي منها على قيد الحياة. لأن هناك من يمولها ويصرف عليها لتصارع الموت لوقت أطول. صحيفة وبضعة أسماء تكتب، وتنشر بأبخس الأجور».

نحن اليوم، نشهد عصر التكنولوجيا. شاشتك بين يديك، تتلقى الحدث مباشرة بالصوت والصورة وبلحظة الحدث. سيسبق المصدر زميله بعشر ثوانٍ فقط. كل الشاشات على هواتف ذكية، أو على لوحات رقمية، تسيطر بشكل شبه كامل. هل أكتفينا بهذا؟

يجيب «فياض»: «أبداً. جاءت منصات التواصل الاجتماعي، وصار كل شخص له محطة بثّ خاصة به. يبثّ عليها ما يريده، وساعة يريد. هنا الخطر الأكبر. هنا الدمار النهائي للمجتمعات، وخصوصاً التي ينقصها الوعي. لأن قلّة الوعي ستسهل على الخطط الشيطانية أن تتغلغل بين الناس في البلدان المتخلّفة. سيكون ممكناً الدخول إلى المجتمعات من دون حاجة إلى جيوش وصواريخ. سيصبح ممكناً ضرب البنية التحتية في المجتمعات من دون حاجة للكثير من التكاليف. هي شائعة من هنا، وعبارة تحريض من هناك، وستحقق ما تريده من مجتمع العدو».

وأضاف: «إذا كان المرسل واعياً ومثقفاً، والمتلقّي جاهلاً متخلّفاً، فالسلام عليكم ورحمة الله، قضي الأمر. اليوم، سلاح الدول المتحاربة، هاتف ذكي، وعقل ذكي، ومخطط مدروس بعناية. ذهب الإعلام التحريضي الذي كانت تقيده أجهزة التشويش. وذهب الإعلام المتلفز الذي كانت تنقصه قوّة الإرسال. وذهبت الفضائيات التي تتحكّم لها الشركات التي تدير القمر الصناعي، حيث يمكنها أن تحجب هذا، وتسمح لذاك. صار الإعلام من هذا لذاك، بالمباشر ومن دون رقابة».

صحافة اليوم رهن إشارة من يجيد استعمال منصات التواصل الاجتماعي. ثم «بيريسكوب» وتقنية البث المباشر. التي تبعها البث المباشر على كل منصات التواصل أيضاً. عن أي صحافة نتكلّم؟

رأى د. «فياض» أننا لم نعد بحاجة إلا للإنترنت، وجهاز ينقل ما نريده بأي لغة، وأي أسلوب تعبير، قائلاً: «انتهت الصحافة، وصارت اليوم عبارة عن معلومات متضاربة، لا يمكنك أن تثق بأغلبها».

وأضاف: «قريباً، لن تتمكّن الحكومات من السيطرة على الإنترنت. سيصبح مجاناً ومن الأقمار الصناعية مباشرة. ولن تخضع الشعوب لتحكّم الحكومات بها. ولكن السؤال الأهمّ، هل ستعرف هذه الشعوب كيف تستخدم هذه الإمكانات التقنية المتاحة بشكل واعٍ ومسؤول؟ وهل ستكون قادرة على التقييم العقلاني لما ستتلقاه من رسائل مبطّنة، فلا تنجرّ إلى حروب التعصّب الطائفي والمذهبي والعرقي؟ فاللعبة بسيطة، وأصبحت مكشوفة. يفتح بعض أجهزة المخابرات مئات الحسابات الوهمية، فتدخل تشتم طائفةً ومذهباً وجنسية وعرقاً، وتردّ عليها مجموعة أخرى باللهجة نفسها، ويدخل الناس بحماس عاطفي في اللعبة. تبدأ حرب الشتائم والتحريض، يجلس موظف المخابرات يتابع المعركة، ويستمتع بما أشعله من تعصب، يعرف جيداً أنه سينتقل قريباً إلى الشارع والمدرسة والجامعة. وتتفرّق الشعوب، ويتمزّق النسيج الاجتماعي المتين. ولا أحد يحتاج إلى معارك بالدبابات ولا المدافع. هي تغريدة، وأترك الباقي على الشعوب السطحية».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن