قضايا وآراء

الغرب وأرض أوكرانيا المالحة

| منذر عيد

على مدى 48 يوماً، عمر العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا، لم يترك الغرب الأوروبي والأميركي وسيلة أو طريقة إلا واتبعها في مواجهة موسكو، فأفرد جميع ما في جعبته من أوراق في مدة قصيرة جداً، إذا ما تم مقارنتها بما اتبعوه في حربهم الإرهابية على سورية طوال قرابة أحد عشر عاماً، ومن الضرورة الإشارة إلى أن انتقال أي جهة أو شخص، من خطة إلى أخرى، هو دليل إخفاق يجعل عملية الانتقال تلك لزاماً للوصول إلى الهدف الذي يبتغيه.

فشلت أساليب الغرب في الأيام الأولى للعملية الروسية، من تهديد موسكو بعقوبات جمة، والحديث عن دعم كييف بشتى أنواع الأسلحة، وما تلا ذلك من فرض عقوبات طالت الاقتصاد الروسي على نطاق واسع، وذلك لجهة قوة روسيا اقتصادياً وعسكرياً، وارتباط اقتصادات معظم دول الاتحاد الأوروبي بالنفط والغاز الروسي، وهو ما بدا جلياً في بدء ظهور النتائج العكسية للعقوبات الغربية على روسيا، من خلال إعلان عدد من الشركات الغربية تكبدها خسائر بمليارات الدولارات نتيجة خروجها من السوق الروسية، حيث أعلنت شركة «بي بي»، عن خسائر متوقعة تصل إلى 25 مليار دولار، لتقدر شركة شل، خسائرها بحوالي 5 مليارات دولار، والأمر ذاته انطبق على بنك سوسيتيه جنرال، ثاني أكبر بنك فرنسي، الذي قدر خسائره بنحو 3.3 مليارات دولار، لتواجه شركة «إكسون موبيل» الأميركية خسائر قد تصل إلى 4 مليارات دولار.

قرار الإدارة الأميركية فرض حظر على الطاقة الروسية، ورد الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بقرار يقضي بدفع ثمن واردات النفط والغاز الروسي بالروبل دفع بالغرب الأوروبي للبحث عن بديل عن الطاقة الروسية، لتعلن واشنطن وبالإطار ذاته سعيها لمساعدة أوروبا على ذلك، إذ أكد مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، أن «الولايات المتحدة تعمل بجدٍّ من أجل مساعدة أوروبا على الاستغناء عن النفط والغاز الروسيين»، ليبقى السؤال الأهم: هل من إمكانية لفعل ذلك؟ الجواب كان سابقا للطرح الأميركي حين أكد كل من وزير الطاقة القطري ووزير الطاقة الإماراتي في 22 الشهر الماضي، أنه لا يمكن لأي دولة تعويض إمدادات الغاز الروسي إلى أوروبا.

إدراك الدول الأوروبية مدى الورطة التي باتوا فيها دفع بهم إلى الاتجاه نحو تجييش الرأي العام العالمي ضد موسكو، عبر محاولة شيطنتها، وتحميلها وزر حصول مجاعة عالمية، وانهيار اقتصادات بلدان، وصولاً إلى تلفيق التهم، وفبركة الأحداث وافتعال مجازر بحق المدنيين الأوكران في بوتشا بهدف اتهام الجيش الروسي بعمليات إبادة، وإجبار موسكو على إيقاف عمليتها العسكرية والخضوع لشروطهم، الأمر الذي رد عليه الرئيس بوتين أمس بتأكيده أن العملية ستحقق مهامها وأهدافها قائلاً: «أوكرانيا بدأت تتحول إلى موطئ قدم مناهض لروسيا، وبدأت براعم القومية والنازية الجديدة التي كانت موجودة منذ فترة طويلة في النمو هناك وتمت تغذية النازية الجديدة بشكل متعمد، وكان صدام روسيا مع هذه القوى أمراً حتمياً، لقد كانوا بصدد اختيار التوقيت المناسب للهجوم».

بخلاف القومية النازية.. لم تستطع أساليب الغرب الإجرامية ضد روسيا من النمو في أرض أوكرانيا المالحة، فماتت جميعها قبل أن تشهد نور الشمس، من التلويح بالقوة العسكرية إلى العقوبات الاقتصادية وإلى استجلاب المرتزقة مروراً بفبركة الأحداث وليس انتهاء بالتحضير لهجوم كيميائي ومن ثم اتهام موسكو بها.

وفي خضم الحديث عن تزايد الضغوط الغربية على روسيا، لا يمكن تجاهل زيارة مستشار النمسا كارل نيهامر إلى موسكو، وما رافقها من تكهنات وتحليلات بأن تشكل بداية لحوار روسي- أوروبي مباشر بهدف التوصل إلى نقاط مشتركة، في منتصف الطريق، تفضي إلى حل يرضي جميع الأطراف، وتفتح بعض الأبواب الموصدة على خلاف الرغبة الأميركية والبريطانية من خلفها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن