هذا العنوان ليسَ مستوحى من رائعةِ «إرنست هيمنغواي» الشيخ والبحر بل من الجنون الفيسبوكي الذي عشناه في الأيام القليلة الماضية، فقبلَ انتشار مواقع التواصل الاجتماعي، كانَ الحدث الدرامي يمرُّ مرورَ الكرام بعدَ نهايةِ عرض الحلقة، باستثناء تلكَ المسلسلات الكوميدية التي طبعَت في ذاكرتنا ولا نزال نستخدِم بعضاً من مفرداتِها حتى الآن، اليوم باتَ الحدث الدرامي يقتحِم حياتك الزرقاء ولو كنتَ غير متابعٍ أو مهتم، تجد نفسكَ تشاهد فيديوهات لمجردِ أن تفاعلَ معها الأصدقاء بمشاعرَ مختطة:
المشاعر الأولى هي مشاعر الكآبة، إذ عاشت الأوساط الفيسبوكية ساعاتٍ حزينة بعدَ انتحار أحد أبطال الأعمال الدرامية، خرَجوا لنعي المرحوم وفتحوا لهُ مجالسَ عزاء، لكن وللهِ الحمد فإن أحد أصدقاءِ المرحوم طمأنَ الجميع بأنَّهُ لم يرتَحِم إلا درامياً، وأن جراحهُ عبارة عن «شوية بويا» وستزول.
المشاعر الثانية كوميدية، كيف لا و«الشيخ عبد العليم» غازل أرملة المرحوم «أبو بشير»؟ البعض صدمهُ المشهد إذ كيفَ للشيخ الذي قدَّمَ نفسهُ طوال سنواتٍ من عمرنا كرجلِ الرزانة أن يُراهِقَ؟ لكنه لم ينصدم بأن الشيخ تزوجَ أربع مرات فقط ودفنهنَّ جميعاً، لم يكتفِ «عبودة» بذلك لكنهُ استدار ليشاهدَ المرأة التي سيتزوجها والعياذ بالله، هل هو الحب ولكن أينَ رآها ليُحبها؟ من وصفها لهُ؟ وهل كان هذا الوصف قبل دخول عمليات التجميل الدراما الشامية أم بعده؟
مبدئياً لنتفق بأنني هنا لا أقيِّم أي عمل درامي فهذا ليسَ عملي، أنا أتحدَّث عن نوع كهذا من التفاعلات الاجتماعية مع أي عمل درامي، هل هي طبيعية أم إنها صورة عما يعترينا من تشوهات؟
منذُ أن ابتدع عالم النفس الأميركي «يعقوب مورينو» فكرة استخدام الفن وسيلة للعلاج، ظهر هناك الكثير من النظريات المشابهة مثل «العلاج بالموسيقا» الذي انتشر بعد الحرب العالمية الثانية لعلاجِ الناجين من الحرب، وإن كان العلاج بالموسيقا يتم تصميمه حسب احتياجاتِ كل فرد فإن العلاج بالدراما ذو طابعٍ جماعي، هذه الفكرة تعطينا صورة على قدرةِ الفن على الولوج إلى أعماق الفرد، لكن هذا الكلام يبدو في إطار المجتمعات السليمة، أما في مجتمعنا وتحديداً بعد الحرب لا تبدو الصورة وردية، فتتحول السوداوية الدرامية إلى مساحةٍ تُحاكي الألم لكنها لا تقدم أي علاج. البعض يقول مثلاً إن تفاعلاً كهذا لربما ناتج عن فكرة أن الدراما عملياً تصوِّر الواقع، لعل هذهِ العبارة هي أسوأ عبارة قيلت في وصف الدراما لأن العمل الدرامي يمثل أولاً ما تريده الجهة المنتجة، وبعد ذلك تأتي الرؤية الإخراجية للنص الورقي وهي جميعها لا تلتقي في نقطة واحدة أبداً، ولو كان «يعقوب مورينو» لا يزال حياً لأطلق نظرية جديدة سماها «القتل بالدراما».
في الخلاصة: هناك هرطقة تربط بين السوداوية والأشخاص الأكثر ذكاء، أخشى ما أخشاه أن تكون هذه الفكرة هي التي تدفع البعض نحو الجنوح باتجاه السوداوية المفرطة لإثبات ذكائهم، نعترف بأننا لسنا مجتمعاً مثالياً لكن ما يقدم لنا كبدائل درامية ليس أفضل، سأترك لكم كل المشاهد السوداوية، أما أنا فسأذهب لشيخنا العاشق وأسأله: هل عدلتَ بينهن قبل أن تدفنهنَّ، كيف؟ والله عز وجل قال.. ولن تعدلوا!