ثقافة وفن

صبحي شعيب أول تعبيري ينال جائزة المعرض السنوي .. عاش تدريسي الرسم حتى تقاعد وكان نحاتاً ورساماً .. العودة إلى القرية مثال للرسم التعبيري العفوي المتفوق

| سعد القاسم

نشأ صبحي شعيب (1909-1974) في عائلة حرفية، انتقلت من حمص إلى دمشق حيث عاش طفولته الأولى عند سفح جبل قاسيون فكان يجمع الأحجار الهشة ويصنع منحوتات منها. وفي المرحلة الابتدائية تعلم الرسم على يد عبد الحميد عبد ربه، واستكمل تعليمه الفني في دار المعلمين على يد عبد الوهاب أبو السعود وميشيل كرشه، وبعد تخرجه منها كُلف بالتعليم في مدينة السلمية، ثم بتدريس مادة التربية الفنية في ثانويات حمص وحماة عام 1933. وفي عام 1936 تفرغ لتدريس المادة في ثانويات حمص ودار المعلمين فيها حتى أحيل إلى التقاعد عام 1967.

كان متعدد المواهب. وخلال حياته الفنية التي دامت نصف قرن قدم إلى جانب مهارته في الرسم والتصوير المائي والزيتي، تجارب رائدة في مجالات متنوعة، كالنحت المباشر على الحجر والرخام، وفن الطباعة على القماش، وصناعة الدمى لمسرح العرائس، وصنع النماذج التشريحية المجسمة، وتحميض وطبع الأفلام الملونة. وكانت رسومه بالحبر الصيني مقدمة لفن الحفر في سوريه. كما ساهم في نقل رسوم فسيفساء الجامع الأموي مع خالد معاذ، ونظمي جميل وتوفيق قباني.

اللوحة أسلوب وموقف فكري

يعتبر صبحي شعيب رائد الاتجاه التعبيري في الفن التشكيلي السوري المعاصر. وبدا موقفه الفكري واضحاً من خلال لوحاته التي صور فيها مشاهد حية من محيطه، بعضها مُتخيل كلوحته الأكثر شهرة (العميان الثلاثة) التي اقتناها المتحف الوطني بدمشق وتعود لعام 1955 وصور فيها الفنان ثلاثة أشخاص يقومون بنزهة في ضواحي حمص للتمتع بجمال الطبيعة، والمفارقة أنهم عميان كما رسمهم صبحي شعيب، وكما يشير اسم اللوحة صراحة. وهو ما فتح المجال لتأويلات عدة حول ما ترمز إليه اللوحة منها من رأى فيها موقفاً من رموز سياسية محلية. ومنها ما تحدث عن أنها لأشخاص حقيقيين عاشوا في حمص. فيما يرى الدكتور عبد المنان شما أن كل واحد من هؤلاء الأشخاص يرمز إلى شريحة داخل المجتمع. أولهم منافق متستر بالدين، وثانيهم تاجر محتكر غشاش، وثالثهم جاهلٌ مدعٍ للثقافة. وتلتقي هذه الرؤية مع لوحة سابقة لها منفذة بالحبر الصيني والألوان المائية تحمل عنوان (خطأ في التوزيع) وتصور رجلاً ثرياً مفرط البدانة يمشي مزهواً وخلفه رجل فقير نحيل حاني الظهر تحت كيس ثقيل. كان صبحي شعيب يختار أبطال لوحاته من شخصيات شعبية، ويصورهم ضمن تكوين متماسك ومتوازن مُنَفَّذٍ بأسلوب واقعي تعبيري مليء بالعفوية والحيوية والصدق، وهو ما يبدو في لوحته (سهرة في مقهى) التي تصور لاعبي دومينو في مقهى شعبي. وكذلك في لوحته المائية (العودة إلى القرية) التي تصور منظراً مألوفاً لعودة فلاحين إلى قريتهم في ريف حمص، بعد زيارة تقليدية إلى المدينة لتسويق منتجاتهم، وشراء حاجياتهم. نالت (العودة إلى القرية) الجائزة الأولى في المعرض السنوي الأول الذي استضافه المتحف الوطني بدمشق بالشراكة مع لوحتي محمود حماد ورشاد قصيباتي. ولهذه الجائزة قصة طريفة ذكرها الفنان التشكيلي والإعلامي العريق مروان شاهين في لقاء أجراه معه المرحوم محمد مروان مراد في العدد 113-114من مجلة الحياة التشكيلية عام 2018 حيث قال:

«.. وهكذا بدأت مسيرتي الفنية أنا وصديقي عبد الظاهر مراد، كلانا يرسم ما تقع عليه عيوننا من مواضيع متنوّعة، أزهار، مناظر طبيعية، قرى في ريف المدينة، لكن اللقاء الحاسم الذي أسهم في تطوّري أنا وزميلي عبد الظاهر هو لقاؤنا مع شخصية فنيّة مرموقة هو الفنان صبحي شعيب وذلك في عام 1950، ، حين زرناه في منزله، وحاولنا أن نثير اهتمامه بالمشاركة في المعرض الفني الذي أقامته حينذاك وزارة المعارف، وحاول شعيب الاعتذار بحجة أنه لا يملك اللوحات الزيتية المناسبة لهذا المعرض، ولكنه سرعان ما اقتنع أن يرسم بالألوان المائية موضوعاً انتقاه من دراساته (القلمية)، التي كان ماهراً في التقاطها من المشاهد المتنوّعة التي تصادفه، وبدأ يرسم أمامنا وخلال ثلاث ساعات أنجز اللوحة الرائعة (العودة إلى القرية)، فأخذتها مع لوحة أخرى مائية متوسطة الحجم، وقدّمتها إلى لجنة المعارض التي كانت بإشراف الفنان القدير الراحل محمود جلال، ورحّبت اللجنة باللوحتين، وفاز صبحي شعيب بالمركز الأول بالتساوي مع محمود حماد ورشاد قصيباتي. كان ذلك اللقاء مع الفنان صبحي شعيب مفيداً لنا في مسيرتنا الفنية، فَرُحتُ أنا وزميلي عبد الظاهر نرافقه إلى الطبيعة، ونهر العاصي، نحاول أن نرسم هذه المرّة بالألوان الزيتية، وقد ساعدنا كثيراً في تعلّم تقنياتها، سواء كان الرسم بالفرشاة أم بالسكين، وقد كان بارعاً في كليهما، وقد أحبّ زميلي عبد الظاهر هذه التقنية، وأصبحت معظم لوحاته الزيتية مشغولة بالسكين، كما أنني رسمت كثيراً من اللوحات في فترات متنوّعة بالسكين وتلك الطريقة تُعطي جمالاً خاصاً مختلفاً للوحة».

لوحات واقتناء ودعم

كانت المعارض السنوية الثمانية الأولى قد اعتمدت أسلوب الجوائز كتعبير عن دعم الدولة للفن التشكيلي، فقدمت جوائز مالية إلى الفائزين الأوائل في التصوير والنحت، وقد وزعت في المعرض الأول على جائزتين، نال كل واحدة منهما ثلاثة فنانين بالتساوي. ولم يكن هذا الشكل من الدعم يحظى برضا كثير من الفنانين، وخاصة في ظل الجدل القائم آنذاك بين مناصري التيارات التقليدية، ومناصري التيارات الحديثة، وبلغ ذروته عام 1956 حين تأسست (رابطة الفنانين السورية للرسم والنحت)، التي استقطبت الفنانين من جمعيتي (السورية للفنون) التي كانت تأسست عام 1950، و(جمعية محبي الفنون الجميلة) وقد تأسست عام 1952، وكان من أهم أعمال الرابطة أن طالبت بإلغاء الجوائز في المعارض الرسمية، وهذا ما حدث فعلاً حيث تحول أسلوب دعم الدولة للفن التشكيلي منذ عام 1959من منح الجوائز إلى اقتناء الأعمال المشاركة وقد بلغت موجة الاقتناء أوجها عام 1999 حين رفعت وزارة الثقافة في عهد الدكتورة نجاح العطار أثمان الأعمال الفنية المنتقاة إلى أرقام مرتفعة.

معارض متنوعة

شارك صبحي شعيب في معظم المعارض الداخلية والخارجية. وسُمي عضواً في المجلس الأعلى لرعاية الآداب والفنون، وأسس مركز الفنون التشكيلية في حمص عام 1962 وقد سمي باسمه بعد رحيله، وتتلمذ على يديه عدد كبير من الفنانين الذين رفدوا الحركة الفنية خلال أربعين عاماً. ومن بينهم الدكتور عبد المنان شما، العميد السابق لكلية الفنون الجميلة، وقد نشر نصاً مهماً عن معلمه في الكتاب الثاني من سلسلة (فنانون تشكيليون سوريون) عام 1989 كان مرجعاً أساسياً لهذا النص.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن