منذ الانطلاقة الأولى لعرضه مسلسل «كسر عضم» من تأليف علي معين صالح وإخراج رشا شربتجي فإنه يلاقي أصداء نجاح واسعة بين الجماهير المحلية والعربية التي اعتبرته عودة واعدة وقوية للدراما السورية، وعلى خلاف باقي الأعمال الدرامية التي لطالما اعتادت المماطلة وبرودة الأحداث في حلقاتها الأولى، فقد جاءت الحلقة العاشرة من هذا العمل بمنزلة صدمة كبيرة للمشاهد حيث لم تكن مجرد مجموعة من المَشاهد العابرة بل كانت خليطاً من المشاعر المتفاوتة بين الحزن والقسوة والألم والتي تركت أثراً عميقاً في داخل كل من تابعها وأحيت فيه أوجاعاً كانت قد أخفيت لسنوات طويلة في ثنايا ذاكرته.
مفاجأة قاسية
فكان مشهد انتحار «ريان» الذي يجسد دوره الفنان سامر إسماعيل بمنزلة مفاجأة كبيرة وقاسية لمتابعي العمل الذين تفاعلوا منذ الحلقات الأولى مع شخصيته التي لاقت الاستحسان والإعجاب الكبيرين من الجماهير كافة، ولكونها أظهرت حالة إنسانية لضابط في مقتبل عمره يواجه ويخالف والده المتجبر صاحب النفوذ والسلطة والذي أدت تجاوزاته الكبيرة فيما بعد إلى إزهاق الكثير من الأرواح البريئة، فتعاطف الجمهور وبشكل جدّي مع «ريان» الذي مثل جانب الخير والمروءة في العمل، وما إن عرض مشهد انتحاره حتى ضجت منصات التواصل الاجتماعي بصور ومقاطع مقتطفة من هذه الحلقة وسط تفاعل كبير من جانب المتابعين الذين عبروا عن سخطهم واستيائهم من إنهاء دور هذه الشخصية التي أبدع فيها الفنان سامر إسماعيل وتقمصها بكل جوارحه وأداها بصدق عالٍ فتركت أثراً عميقاً في قلوب الجماهير حتى كادوا ينسون أن الذي أمامهم مجرد مشهد تمثيلي غير حقيقي.
أداء أسطوري
واستطاعت الفنانة نادين بعمق إحساسها وصدق أدائها أن تُبكي كل من شاهد لحظة وداعها لولدها «ريان» بعبارات ملؤها الحسرة والندم «شهيتني الموت يا أمي» التي أحيت في ذاكرة المشاهد السوري صورة كل أم فقدت أحد أبنائها خلال سنوات الحرب الظالمة، وصرختها السابقة باسم «رامي» في مسلسل «حاجز الصمت» تردد صداها اليوم باسم «ريان» فأبدعت بالمرتين في تجسيد فاجعة الأم على شباب حالت الأقدار بينها وبينهم.
وفي الجانب الآخر حقق النجم فايز قزق إشادات واسعة على أدائه الأسطوري في شخصية «الحكم» صاحب النفوذ والسلطة الذي لطالما حافظ على ملامح القسوة والجبروت، إلا أنه أذهل الجميع بحنان الأب الذي ظهر وللمرة الأولى في لحظة احتضان جثة ولده «ريان» وتعابير الخوف والحزن في عيونه، هذا المشهد الذي تناقله العديد من رواد مواقع التواصل الاجتماعي وأشاروا إلى الشبه الكبير بينه وبين لوحة «إيفان الرهيب يقتل ابنه» من حيث الصورة والمضمون، فبكلاهما كانت غطرسة الأب سبباً في وفاة الابن الذي لم يشعروا بقيمته ومحبتهم له حتى فقدوه.
أصداء إيجابية
تلك النجاحات الكبيرة والأصداء الواسعة التي حققها العمل دفعت المخرجة رشا شربتجي للتعبير عن سعادتها عبر منشور لها على صفحتها الشخصية على فيسبوك وجاء فيه: « ما بتتخيلوا مدى سعادتي بالأصداء الإيجابية لمشاهد الحلقة العاشرة من كسر عضم، شفت أغلب الآراء الإيجابية وحتى النقد السلبي وسمعت كتير أصداء حلوة وبدي أتشكركم.. وأتشكر الفنان المجتهد سامر إسماعيل على الالتزام والجدية بالعمل يلي قدمه، كان مهماً ورائعاً وأثبت أن البطولة ممكن تكون مطلقة لو بعشر حلقات، ريان رح يترك أثر كبير بقلوب الناس، أما الأساتذة الكبار فايز قزق ونادين خوري فنحنا منكبر بوجودكم شكراً على كل الحرفية والصدق يلي قدمته قامات سورية حقيقية وخام، شكراً للكاتب علي معين صالح وللجمهور الكريم».
وأكدت على أن الحلقات القادمة سوف تحمل جرعة أكبر من التشويق وأن ما حدث كان البداية فقط.
كسر نمطية
يبدو أن الدراما السورية بدأت تتخذ بعض الخطوط الجديدة التي تعتمد على خلق عنصر الصدمة والمفاجأة لدى المشاهد من خلال التخلي المبكر عن أبرز شخصيات العمل وأكثرها تأثيرا في الجمهور والتي مثلت ركيزة الخير التي تجابه الشر والفساد، فكان في ذلك ابتعاد كامل ومطلق عن نمطية الأعمال السابقة التي عادة ما تستنزف أبطالها حتى الحلقة الأخيرة وتصور الحياة المثالية والأحلام الوردية التي دائماً ما ينتصر فيها الخير والحق ويكون للشخصيات الطيبة النصيب الأكبر، وإن كان هذا التوجه الجديد أكثر قسوة إلا أنه أكثر واقعية واحتراماً لعقل المشاهد وهذا التحول الذي بدأه الكاتب علي معين صالح في عمله الأول من المتوقع أن يشكل علامة فارقة في الأعمال القادمة.