باحث اقتصادي لـ«الوطن»: رفع سعر الفائدة قد يؤدي إلى ارتفاع أسعار المنتجات … «المركزي» يرفع دولار الحوالات إلى 2800 ليرة وفائدة الودائع المصرفية إلى 11 بالمئة
| عبد الهادي شباط
رفع مصرف سورية المركزي سعر شراء دولار الحوالات الشخصية الواردة من الخارج وأسعار الفائدة على الودائع المصرفية.
وحسب بيان المركزي تم رفع سعر شراء الدولار لتسليم الحوالات الشخصية الواردة من الخارج إلى 2800 ليرة بدلاً من 2500 ليرة (وهو ما يمثل زيادة بمعدل 11 بالمئة) وبيّن المركزي في توضيح له أنه استناداً لمجموعة من العوامل الموضوعية التي تتعلق بالوضع الاقتصادي العالمي، الذي يعاني من ارتفاع نسب التضخم، وزيادة أسعار معظم السلع وأجور نقلها، الذي انعكس بشكل مباشر على زيادة الأسعار في السوق المحلية، قام مصرف سورية المركزي برفع سعر نشرة المصارف والصرافة، ومنه رفع سعر صرف الحوالات الشخصية من 2500 إلى 2800، وهو السعر الذي يطبق على مجموعة من الحوالات منها حوالات المنظمات الدولية غير الحكومية، وحوالات منظمات الأمم المتحدة، والحوالات الواردة عبر شركة وسترن يونيون العالمية، لتعزيز قدرة هذه المنظمات على العمل في سورية، وتشجيع مُرسلي الحوالات من الدول الخارجية ولاسيما دول القارتين الأمريكيتين على إرسال الحوالات عبر شبكات التحويل النظامية، وأشار المركزي في بيانه إلى أن رفع سعر نشرة المصارف والصرافة يستتبع رفع سعر صرف نشرة الجمارك والطيران، التي يتم استناداً إليها تحصيل الرسوم المقدرة بالقطع الأجنبي.
وعلى التوازي، رفع المركزي سعر الفائدة على الودائع بالليرة السورية موضحاً في بيان آخر له أن رفع سعر الفائدة على الودائع يهدف إلى جذب المدخرات وتوجيه التسهيلات نحو الأنشطة الإنتاجية الداعمة للتنمية، حيث تبيَّن لمصرف سورية المركزي وجود تركُّز للودائع بالحسابات الجارية، مما دفع المصارف إلى التركيز على التسهيلات الائتمانية قصيرة الأجل لتغطية سحوباتها المحتملة، وهذا ما يُسبِّب زيادة مخاطر استخدام هذه التسهيلات بعمليات المضاربة، وزيادة سرعة دوران النقد، مما يولِّد المزيد من الضغوط التضخمية ويؤثر على استقرار سعر الصرف، إضافةً إلى عدم ملائمة أسعار الفائدة التي تدفعها المصارف على الودائع بالليرة السورية للواقع الاقتصادي، فكان لابدَّ من وضع سعر فائدة واقعي يعكس ظروف الاقتصاد السوري، ويساعد على إعادة هيكلة السيولة لدى المصارف، بتشجيع الادخار وتوجيه توظيف التسهيلات الائتمانية نحو الاستثمارات المجدية التي تدعم زيادة التشغيل والإنتاج، حيث تم تحديد سعر الفائدة بما يعكس فجوتي الناتج والتضخم، فتم احتساب سعر فائدة سنوية بنسبة 11 بالمئة على الودائع لأجل شهر واحد، وتعتبر كحد أدنى لبقية الآجال، حيث تم الإبقاء على تحرير معدلات الفائدة على التسهيلات الائتمانية، وترك تحديدها للمصارف بناءً على تكلفة الإيداع، بغية التخفيف من حدة المتاجرة بالقروض واستخدامها لأغراض المضاربة.
وفي متابعة أجرتها «الوطن» مع الباحث الاقتصادي الدكتور علي محمد حول أهمية و أثر رفع سعر الفائدة على الودائع المصرفية بالليرات السورية، أوضح أنه عند الحديث عن أسعار الفائدة فنحن نتكلم عن هدف وسيط للسياسة النقدية، شأنه شأن سعر الصرف أو العرض النقدي، فسعر الفائدة يعد عاملاً مؤثراً في كل من الأسواق المالية والاقتصاد الحقيقي على المدى القصير والمتوسط، لذا تعمل السلطات النقدية على استقراره بهدف استقرار التوقعات الإيجابية لكل من المودعين والمقترضين، فالمحافظة على أموال المودعين ومنحها عوائد جيدة، واستخدام هذه الودائع لأغراض الاستثمار يؤدي دوراً مهماً في النشاط الاقتصادي من خلال التأثير في المتغيرات الاقتصادية الكلية، سواءً زيادة الناتج المحلي الإجمالي أو ضبط معدلات التضخم.
وفي هذا الصدد، فإن القرار آنف الذكر عدّل القرار رقم 91 تاريخ 5/7/2018 لجهة رفع سعر الفائدة للودائع لأجل شهر من 7 بالمئة إلى 11 بالمئة، أي إننا نتكلم عن نسبة رفع في معدل الفائدة تقارب 57 بالمئة دفعة واحدة، وهذا الأمر يعود لدراسات قام بها المصرف المركزي، إلا أن اللافت في الأمر هو أن تغيرات أسعار الفائدة الاسمية تنعكس على التغيرات في أسعار الفائدة الحقيقية بلا شك وذلك في ظل عدم تغير توقعات التضخم في الأجل القصير، بمعنى آخر، في الفترات التي يتميز بها الاقتصاد بمرحلة من الاستقرار، لا كما الحالة التي يعيشها الاقتصاد السوري اليوم، وبالتالي فرفع سعر الفائدة بنسبة 57 بالمئة عما كانت عليه سابقاً ليس بالرفع البسيط في هذه الظروف، فالسُّلطات النَّقديَّة تسعى للحفاظ على مستوى معدَّلات الفائدة بما يتلاءم مع حاجة الاقتصاد، وأن تبقى تغيرات هذه المعدَّلات ضمن هوامش غير واسعة نسبياً، إذ إنَّ تقلُّبات سعر الفائدة يمكن أن تخلق حالة من عدم التَّأكُّد في الاقتصاد، وتجعل من الصّعب التخطيط للمستقبل.
وأضاف محمد: إن ارتفاع أسعار الفائدة قد يؤدي إلى انخفاض مستوى الاستهلاك في مختلف القطاعات الاقتصادية، وبالتالي انخفاض حجم المبيعات والأرباح للشركات، كما أنه يستنزف جزءاً كبيراً من موارد الشركات التي تمول جزءاً من عملياتها بأموال مقترضة وذلك لتغطية الفوائد على تلك القروض وهذا يؤدي بدوره إلى انخفاض أرباحها من جهة، أو ارتفاع أسعار منتجاتها وسلعها من جهة أخرى (وهو الخيار الأقرب للتحقق) لتواكب زيادة التكلفة عليها، كما أنه قد يؤدِّي أيضاً إلى تراجع معدَّلات النُّموِّ الاقتصاديِّ؛ نظراً لارتفاع تكلفة الاقتراض، وهذا من شأنه أن يخفض من مستويات الطلب الكلِّيِّ.
كما بين أنَّ ارتفاع أسعار الفائدة يجعل من الإيداع في المصارف بديلاً أكثر جاذبية من المجالات المتاحة في الاقتصاد السوري (وهي قليلة لضبابية الرؤية الاقتصادية المستقبلية للمواطن السوري) حيث يرغب المستثمر بتجنب المخاطر العالية والميل للاستثمار في الأصول ذات المخاطر المنخفضة، الَّتي تحمل فائدة ثابتة كالودائع وأذونات الخزينة، ولكن السؤال الذي يطرح نفسه اليوم، هل وضع الاقتصاد السوري في هذه الفترة وتسلسل القرارات الصادرة عن مصرف سورية المركزي ولاسيما اتباعه لسياسة حبس النقد خلال العام الماضي، هل تعتبر مشجعة لزيادة إقبال أصحاب المدخرات على ادخارها وإيداعها في المصارف؟ هذا السؤال لا يمكن التكهن بإجابته وهو رهن الأيام والشهور القادمة لا رهن العلاقات النظرية بين المتغيرات الاقتصادية، وهذا ما ستفصح عنه القوائم المالية للمصارف نهاية العام.
ويرى محمد أن استكمال المصرف المركزي لسياسته بتوجيه الائتمان والقروض نحو المشاريع الإنتاجية والصناعية هو الهدف الأساسي لاستقرار الاقتصاد السوري، فالعلاقة بين معدَّل الفائدة في الأجل القصير وكمِّية النَّقد ليست علاقة مستقرّة؛ لأنَّ الطلب على القروض يخضع لتحركات لا ترتبط فقط بمعدَّل الفائدة، فهناك مجموعة من العوامل التي تشجع أو تثبط الاستثمار، فما بالنا اليوم وقد ارتفعت أسعار الفائدة على القروض الموجهة لهذه المشاريع، إلا إذا تم تقديم دعم حكومي لمعدلات الفائدة لهذه المشاريع، وأعني بشكل دقيق المشاريع الخاصة بالمواد المكونة لبرنامج إحلال المستوردات، كما يقدم المصرف التجاري السوري على سبيل المثال دعماً بحدود 7 نقاط لـ33 مشروعاً استثمارياً لتصبح الفائدة عليها (ما قبل القرار الجديد الخاص بالفوائد) 4 بالمئة عوضاً عن 11 بالمئة.