هذا الغرب الإمبريالي المنافق ألم يكن يعرف مسبقاً أن إغلاقه لطرق التسويات الممكنة للتوافق أو الاتفاق مع موسكو في موضوع أوكرانيا وإصراره على ضمها إلى جبهة حلف معاد سيؤدي إلى عملية عسكرية روسية ضدها؟
من البديهي أنه كان يدرك ذلك وقبل التحدي وهو يعرف ما ستفعله الحرب في أوكرانيا من دمار ومجابهة عسكرية بين جيشين، وهو يعرف أنها حرب سترتسم بنتائجها على شكل قتلى وجرحى من عسكريين ومدنيين كبقية كل الحروب التي خاضتها الدول بين بعضها بعضاً، ولأنه يعرف ذلك فقد استخدم الأوكرانيين وقوداً، وقادتهم أدوات، ووظف لكل طلقة وقذيفة وصاروخ وغارة على أي موقع عسكري الآلاف من الصحفيين ومراسلي مئات القنوات التلفزيونية وآلاف المصورين وكل برامج تغطية هذه الحرب بكافة أشكالها لكي تتصاعد نيرانها في الميدان الحربي ضد صاحب القضية ولكي يوظف أخطر جبهات هذه الحرب وهي جبهة التشويه والشيطنة الإعلامية، ولأن جبهة التشويه هذه أصبحت سلاحاً أساسياً لخدمة الإستراتيجية المعادية لروسيا، فقد بلغت درجة الاهتمام بقيمتها حدوداً لا نظير لها في تاريخ الحروب القديمة وأصبح الغرب على استعداد لإعداد مذبحة للمدنيين الأوكرانيين على يد قوات أوكرانية بهدف اتهام الجيش الروسي بارتكابها لتوظيفها في الساحة العالمية ومنابرها ومنظماتها الدولية لتشويه وشيطنة روسيا وحلفائها في دونيتسك ولوهانسك.
هو السيناريو نفسه الذي استخدمه الغرب في حربه الكونية على سورية حين كان يحشد الإرهابيين وينقلهم إلى داخل سورية وهو يعرف أنهم يرتكبون المذابح بل يشجعهم على القيام بها لاتهام القوات السورية بارتكابها ولم يكن من المستغرب أن تكون الدول نفسها التي نظمت حرب التشويه الإعلامي ضد سورية وحلفائها على الأرض السورية خلال عشر سنوات هي نفسها التي تنظم الآن جبهة حرب تشويه خطيرة ضد روسيا منذ بداية العملية العسكرية الروسية وهذه الدول هي الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا التي خضعت لسياساتها الاستعمارية الجديدة ألمانيا وإيطاليا لكي يتقاسم الجميع مساحات النفوذ والسيطرة في العالم ومنع دوله الكبرى أو الإقليمية الصاعدة عن الاستقلال والسيادة وحماية مصادر ثرواتها.
هو نفس ما قامت به هذه الدول الإمبريالية في حربين عالميتين لاقتسام المستعمرات ومصادرة ثروات الشعوب ودمرت في أثنائها مدناً كاملة وقتلت في الحربين أكثر من ستين مليوناً معظمهم من المدنيين واختتمتها واشنطن باستخدام قنبلتين نوويتين ضد اليابان باعتراف علني لتدمير مدينتين يابانيتين مع سكانهما لمنع استمرار اليابان بمتابعة الحرب ولإرهاب العالم بقدرات واشنطن النووية ولم ينتقد حلفاء واشنطن هذه المذبحة النووية الأولى في التاريخ حتى لا يفقدوا حصتهم من تلك الحرب الاستعمارية.
وبواسطة استخدام قوة الإرهاب ووحشية التدمير والقتل، حافظت واشنطن على هيمنتها وتوظيف الدول الاستعمارية الأخرى في إستراتيجيتها هذه عشرات السنين وفي ميدان القارات كافة، وبقيت قارتها الأميركية الشمالية قاعدة لهذه الحروب من دون أن يطلق عليها من الخارج صاروخ أو قذيفة واحدة حتى في فترة الحرب الباردة بين 1953-1991، ويبدو الآن ولأول مرة أن ما يجري من مجابهة سياسية وإعلامية متصاعدة بين الغرب وروسيا وحلفائها سيفرض على الولايات المتحدة شروطاً وواقعاً جديداً تجردها من الوصف بـ«زعيمة العالم الحر» الذي سلم به حلفاؤها بدلاً من أن يطلقوا عليها وصف أول دولة إرهاب نووي بعد أن أبادت مدينتين مع سكانهما بقنبلتين نوويتين ولم يحاكمها أحد ولم تقدم حتى اعتذارها للضحايا وللعالم.
أما في حروب الأسلحة التقليدية فإن نظرة سريعة على خريطة العالم ستبين أن القوات الأميركية ارتكبت أعمال قتل وتدمير في 80 بالمئة من دول العالم وهي لا تزال تفرض وجود قواعدها العسكرية بالقوة على أراضي ضحاياها في معظم هذه الدول سواء في اليابان وألمانيا وإيطاليا بالإضافة إلى 124 دولة في العالم بعد، لكن طبيعة هذه المجابهة الأولى من نوعها بين معسكر روسيا والصين وحلفاؤهما في جميع القارات وبين معسكر الهيمنة الأميركية لن تنتهي كما ترغب الولايات المتحدة والغرب، بل من المقدر أن ينبثق عنها نظام عالمي بقواعد علاقات وعمل متوازنة أهم ما فيها تآكل القوة الأميركية وخضوعها للتوازن الدولي الجديد، وهذا ما ستؤكده تطورات المجابهة الجارية بين قوة روسيا والصين الصاعدة وقوة الولايات المتحدة المتراجعة.