من دفتر الوطن

زاوية مرفوضة

| حسن م. يوسف

ما أعسر اليسير عندما يؤجل!

قبل أيام، غصت في الكراتين المغبرَّة التي أخزن فيها الصور الورقية التي التقطتها على مدى نصف قرن، بحثاً عن صور قديمة لأخي في الحبر والأحلام وليد معماري، وبعد حوالي ساعتين أوقفت البحث إذ اكتشفت أن فوضاي البسيطة قد تضخمت بحيث أصبحت كثرة الصور مثل قلتها!

لكن جهدي في البحث لم يذهب أدراج الرياح، إذ عثرت بين الصور على زاوية لي كتبتها قبل حوالي ربع قرن كان رئيس التحرير قد ارتأى أنها «رجم في الغيب» وبالتالي فهي «غير صالحة للنشر».

قلت في تلك الزاوية: «أظن أن النجومية بمعناها الشائع حالياً، سوف تتغير ثم تضمحل خلال السنوات العشر الأولى من القرن القادم، وقد تصبح من المنسيات في السنوات العشر الأخيرة منه. فأنا باعتباري من المتابعين المعنيين بالتطورات العلمية والتكنولوجية التي تشهدها المجتمعات البشرية، أتوقع أن تحدث تغييرات جذرية على النجومية، لا تطول أسماء النجوم وشكل مقاعد النجومية وحسب، بل أتوقع أن تطول مفهوم النجومية من أساسه! ولا أستبعد أن نجد أنفسنا بعد عشرين سنة تقريباً أمام نجوم من نوع جديد تماماً!

من المتوقع في المستقبل القريب أن يزداد تدخل الكمبيوتر في الأفلام والمسلسلات، ومن المتوقع أن يتم الاستغناء بالتدريج عن الممثلين في البلدان المتقدمة، حيث تقوم الأجهزة الإلكترونية الذكية بعملهم! وقد بدأت بشائر الأفلام الإلكترونية منذ مدة، وتعززت مع عرض الجزء الثالث من فيلم (حرب النجوم) الذي أنجز هذا العام… وهذا كله يجعل المستقبل مفتوحاً على المجهول وغير قابل لتنبؤات المتنبئين!»

أصارحكم بأنني فوجئت عندما قرأت كلماتي السابقة هذه، لأن التطورات التي أحرزتها البشرية اليوم تجاوزت بما لا يقاس تخيلاتي التي اعتبرها السيد رئيس التحرير «رجماً بالغيب». فقبل حوالي أربعة أعوام أطلقت الصين أول مذيع أخبار آلي بتقنية الذكاء الاصطناعي، ووفقاً لما نشرته وكالة «شينخوا» الصينية، يقوم المذيع- الروبوت (إي آي)، ببث الأخبار بالصينية والإنكليزية، «مستنسِخاً» قدرات المذيع الحقيقية، ما جعل الخبراء يعتبرون المسألة «اختراقاً تقنياً حديثاً في مجال استخدام الذكاء الاصطناعي».

والحقيقة أن الإنجازات العلمية التي حققتها البشرية خلال آخر مئة عام من تاريخها المعاصر، قد تفوق كل ما حققته على امتداد تاريخها الطويل.

ما لا شك فيه أن البشرية تقف الآن على أعتاب قفزات علمية متتالية، فتقنية الجيل الخامس ستغير كل جوانب حياتنا، لكونها تصل كل مقتنياتنا ببعضها- الكمبيوتر والهاتف المحمول والبراد والسيارة والغسالة وأقفال الأبواب والإنارة… إلخ، كما تمكننا من تحميل وتنزيل البيانات بسرعة هائلة.

لكن طفرة الذكاء الاصطناعي الناجمة عن الثورة التقنية ليست خيراً خالصاً. صحيح أنها قد تساعد في مجال الطب وإجراء العمليات الجراحية، لكن هناك تخوُّفاً من تأثير أبراجها على الصحة العامة، عدا أنها ستضع الفرد تحت عين (الأخ الكبير) الذي يحصي أنفاس إخوته المواطنين آناء الليل وأطراف النهار. وقد استنتجتُ قبل عقود أن التطور العلمي الذي لا يترافق مع تطور أخلاقي يحكمه ويضبط استخداماته، قد يبيد الحياة على سطح كوكب الأرض، وفي أحسن الحالات قد يورط البشرية في مشكلات أكبر من تلك التي يحلها.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن