قضايا وآراء

عقدة واشنطن في سورية

صياح عزام :

فرض الدعم العسكري الروسي لسورية الذي جاء بناء على طلب الحكومة السورية، واقعاً جديداً ومتغيرات كبرى في المنطقة، جعل محاولات الولايات المتحدة للحفاظ على نفوذها في المنطقة أكثر صعوبة وتعقيداً، كما أن القلق الأميركي ناجم عن شكوك واشنطن في وجود رغبة روسية أكيدة في إيجاد حلّ سياسي للأزمة السورية، وقناعتها بأن روسيا تسعى إلى التأسيس لعقيدة سياسية وعسكرية توسعية –حسب زعمها- وخاصة مع سعيها لإثبات قدرتها على إدارة تأمين المنطقة وإعادة ترتيبها إلى جانب واشنطن.
وقد جاءت مناورات «حلف الأطلسي» الأخيرة في البحر المتوسط تعبيراً عن عمق القلق من جهود روسيا لبناء قواعد عسكرية، من القطب الشمالي إلى بحر البلطيق، مروراً بالقرن وانتهاء بالمتوسط، فضلاً عن إظهار قواتها قدراً من الثقة والحزم.
ولكن المفارقة اللافتة هي في أن مصلحة أميركا وحلفائها تقتضي إبقاء الوضع في سورية على حاله، بل تحويله إلى حرب استنزاف تُوقف التقدّم الروسي، وتُضعف محور المقاومة، وتُحدّ من تحقيق الجيش السوري لأي تقدم ميداني يؤدي إلى خلخلة مرتكزات الإستراتيجية الأميركية وأبرزها سقوط الممنوعات الثلاثة وهي: قيام تكتل إقليمي سياسي واقتصادي وأمني خارج السيطرة الأميركية، وتهديد سلاسة تدفق النفط إلى الغرب، وتهديد أمن إسرائيل.
من هنا يمكن فهم إصرار واشنطن على تعاملها المتردد وغير الجدي مع ظاهرة الإرهاب، واعتبار الإرهاب سلاحاً فعالاً في مواجهة خصومها، ومن هنا تأتي مساعيها لتعديل ميزان القوى بالرهان على الجماعات التفكيرية والعشائر وما تسميه معارضة معتدلة، وفي الإطار نفسه أرسلت جنوداً أميركيين إلى سورية، ودعت على لسان وزير دفاعها المجموعات الإرهابية المسلحة إلى مواصلة قتال الجيش السوري ومدّتها بالأسلحة.
إلى جانب ذلك، يتوجس الأميركيون من أن النجاحات الجوية الروسية في ضرب داعش وأخواتها قد تلفت انتباه العراقيين إلى قدرة روسيا على مساعدتهم لضرب داعش، وخاصة أن موسكو ما زالت تنظر إلى العراق كجزء من مجالها الحيوي وكحليف قديم ولهذا فإن الولايات المتحدة لا يمكنها الاستقرار في العراق إلا بإخضاع سورية لنفوذها.
إذاً، التطورات في سورية مقدمة لتسويات كبرى، أو لصراعات أوسع، ولهذا ما يزال الموقف الأميركي منها يحكمه التردد والارتباك، فتارة يتحدث الأميركيون عن إمكانية التعاون مع موسكو، وتارة أخرى يرفضون هذا التعاون أو يقلصونه إلى أبعد الحدود.
أما تركيز واشنطن على ما تسميه معارضة معتدلة في سورية فالهدف من ذلك أن تكون هذه المعارضة تابعة لها لو شاركت في السلطة داخل سورية.
في الوقت نفسه، تسعى واشنطن إلى إقناع روسيا بالتمييز بين داعش وبين فصائل إرهابية أخرى تسميها معتدلة كما أشرنا قبل قليل بغية إشراك هذه الفصائل في أي عملية سياسية قادمة، كما تراهن واشنطن على أمر آخر، وهو إمكانية ازدياد العداء لروسيا في أوساط المسلمين السنّة حسب اعتقادها.
إلى جانب ذلك تسعى الولايات المتحدة من خلال مؤتمرات فيينا إلى محاولة فرض وصاية دولية على سورية، تقودها إلى القبول بتسوية تخدم المصالح الأميركية، وهذا ما تعارضه روسيا بشدة، وبالأساس لا يقبله الشعب السوري.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن