شؤون محلية

متى سيأتيني الدور؟

| ميشيل خياط

صارحني صديق متقاعد، أن لعابه سال أكثر من مرة على (مالذ وطاب)، من مشتريات الصحفية الصبية دعاء جركس لمن تلتقي بهم في الأسواق السورية، ضمن برنامج صحيفة «الوطن» المصور «فطوركم علينا» قال لي نيال من تصادفهم وعلى الرغم من أن المثل يقول: لاقيني ولا تطعميني، فإن هذه الصبية تحسن اللقاء إلى جانب كرم الضيافة.

ولا حدود لكرمها إلا لباقة الناس أنفسهم الذين لا يريدون أن يثقلوا عليها، حتى إنها تحفزهم بسؤال مثل ألا تريدون تمراً أو حلويات وتشتري لهم الكنافة والنمورة والحلاوة الحمصية، وأظن لو طلبت منها قليلاً من الجوز واللوز لن تمانع.

قلت لصديقي، ما من شك أن الفكرة لطيفة وفي وقتها، وهي عمل إبداعي يخرج عما ألفناه من برامج الخير إلى صوغ سوق فاضلة في الشهر المبارك، فلقد لاحظت أن بعض الباعة تعاطفوا مع الفكرة فأحدهم مثلا أخذ ثمن ليتر الزيت النباتي 15 ألف ليرة بدلاً من 16 وقال للصحفية «خلِّ الألف علينا…!» إضافة جديدة تغني مسارا يبهج المحظوظين ومن يتابعون قصصهم على الموبايل، انتظر أن تؤسس صحيفة «الوطن» استناداً إلى نجاح برنامج فطورك علينا، قناة الخير التلفزيونية، فقد يأتيك الدور في سياق برامجها الكثيفة.!

وكحالها مع كل وقائع الحياة الحلوة والمرة، سلطت وسائل التواصل الاجتماعي الضوء الساطع على أعمال الخير في رمضان الحالي.

فها هو الزميل شادي حلوة المذيع التلفزيوني الشهير أيام الحرب الضروس، وحصار حلب القاسي على يد عتاة الإرهابيين، ينجز برنامجاً لقناته الخاصة على الفيس بوك ويغدق على المساكين من أموال فاعلي الخير، بأسلوب شيق محبب، ويؤمن لعدد منهم حياة كريمة إلى الأبد، من محسنين من الخليج العربي.

وكان الزميل الصحفي النشيط الأستاذ هيثم محمد سباقا إلى مثل هذه البرامج، على مدار السنة، إذ يوفر لعائلة شهيد أو جريح حرب، احتياجات بناء بيت ريفي أو ترميمه أو تأثيثه، حاورته ذات مرة بنمط تفكيري القديم، ناصحاً أن يبنى على يد أكثر من فاعل خير، مشغل، بين عدة قرى، يوفر فرص عمل ويدر أرباحاً على العائلات المحتاجة، فيكون نبعاً يروي الظمأ إلى الأساسيات شهراً إثر شهر وقد يكبر المشغل إلى سلسلة مشاغل في ذاك الريف الجميل، وكان جوابه المقنع آنذاك، أننا في حرب، والشهداء والجرحى كثر، وعلينا تضميد بعض جراح ذويهم أو جراحهم المادية والمعنوية بسرعة، إذ لا وقت لانتظار الموافقات وأعمال البناء والتأثيث والتشغيل التجريبي، واحتمال الربح أو الخسارة، أن ما يقوم به أهل الخير، عمل إسعافي حيوي يضع الدواء على الجرح مباشرة، للتخفيف من الألم وصوغ مثال قيمي أخلاقي عن تعاضد المجتمع مع ذوي الشهداء والجرحى، علماً أن مؤسسات الدولة بذلت وتبذل جهداً كبيراً على هذا الصعيد، وما من شك أنهم يستحقون أكثر بكثير.

وقبل أيام، قرأت للزميل الصحفي المبدع عبد الفتاح العوض، مقالة في «الوطن» بعنوان: عطر السوريين، أعدت قراءتها عدة مرات، فمن عادتي أن اختلف معه في الرأي ويتقبل الاختلاف بصدر رحب، لكنني وجدته في هذه المقالة محصنا ضد النقد، إذ أخذ بعين النظر كل الطروحات النظرية، في مسألة أعمال الخير وفاعلي الخير، ، ورأى أن اقتصاد العطاء هو اقتصاد تعتمد عليه الآن الكثير من الأسر السورية.

وسعى إلى أرقام عن الزكاة غير موثقة بمستندات لكنها ليست أقل من مليار ونصف المليار دولار قبل الحرب ويضيف (بل أكثر بكثير).

ويخلص إلى ضرورة إبقاء روح العطاء جزءاً من المجتمع السوري.. وفي رأيه أن العطاء أحد الموروثات الطبيعية عند السوريين.

ثمة على هذا الصعيد عطاء المهاجرين السوريين لأهلهم حالياً عبر الحوالات ولاسيما في رمضان (ويقدرها الدكتور هاني خوري في محاضرة له عن الرواتب والأجور بثلاثة مليارات دولار سنوياً.

وإذا كنت أميل إلى عمل خيري إنتاجي وجمعيات خيرية تنموية، فإن المثال السوري الأهم، على هذا الصعيد، مدينة دير عطية السورية في القلمون بمحافظة ريف دمشق، اجترح فيها العمل الخيري التعاوني، أعجوبة المدينة الفاضلة ووفر لآلاف الأسر فيها، حياة رائعة على الصعيدين المادي والمعنوي: بنى تحتية إنتاجية وأخرى خدمية، جامعة مرموقة مدارس متنوعة، ملاعب رياضية ومسابح، غابات حراحية، سد لإرواء البساتين المثمرة، محطة لمعالجة مياه الصرف الصحي، حدائق بيئية، دار للعجزة متقدمة وحضارية، مدينة رياضية، متحف ومركز ثقافي. طاقة شمسية لضخ مياه الشرب… إلخ.

لعل قناة مثل قناة الخير التي اقترحها لتنبثق عن صحيفة «الوطن»، تقوى على حشد الجهود الخيرة والتبرعات السخية لإقامة مشاريع تنموية، إنتاجية أم خدمية في كل المناطق السورية تتحول إلى ينابيع عطاء دائمة.

ربما تشاد على طريقة الشركات المساهمة، وقد يقال إنها جربت وفشلت، لكن العلم يقول إن الفشل طريق النجاح، جربوا مرة أخرى، مستفيدين من روح العطاء لدى السوريين وضمن مفهوم الخير، والحمل على الجماعة خفيف ومن يتعاونون لا يغلبون، ولا أظن أن هذا السعي الضروري ولاسيما الآن لا أظنه يتعارض مع أعمال الخير الراهنة التي تبلسم وجود بعض السوريين، لكنها تجعل الكثير منهم يتحسرون.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن