قضايا وآراء

الإرهاب حوّل قمة العشرين من الاقتصاد إلى السياسة

د. قحطان السيوفي :

بعد الأزمة الاقتصادية العالمية الأخيرة 2008 شعرت الولايات المتحدة والدول الصناعية الكبرى الثماني؛ بعدم القدرة على قيادة الاقتصاد العالمي، ومواجهة الأزمة من دون الأخذ بالحسبان الدور الاقتصادي المؤثر في دول أخرى ضمن نظام عالمي متعدد الأطراف… وُجدت مجموعة العشرين لتصبح أهم التجمعات الدولية الاقتصادية، والتي يبلغ عددها 19 دولة إضافة إلى منظمة الاتحاد الأوروبي، واعتبر ذلك توافقاً شكلياً على الإدارة الجماعية للاقتصاد العالمي، تضم مجموعة العشرين ثلثي سكان العالم، ولديها 85% من الناتج الاقتصادي العالمي، وثلاثة أرباع حجم التجارة الدولية. تتالت مؤتمرات قمة العشرين وكان آخرها في تركيا تشرين الثاني 2015. تضمن جدول أعمال القمة 3 موضوعات اقتصادية رئيسية؛ وهي «الشمول الاقتصادي، والاستثمار، والتنفيذ» لكن من الناحية العملية لوحظ أن التركيز على الاقتصاد أقل كثيراً مقارنة مع مؤتمرات سابقة، وحظيت القضايا السياسية بالاهتمام الأكبر في القمة؛ وخاصة موضوع الإرهاب قمة أنطاليا تمثل نقطة تحول في أعمال مجموعة العشرين، وذلك للارتباط الوثيق بين قضايا الاقتصاد والأمن، مع القضايا السياسية الراهنة، والتحديات التي تواجه المجتمع الدولي.
ناقشت القمة تعزيز الاقتصاد العالمي، وتعميق الحوار والتعاون بين دول مجموعة الـ20 والبلدان النامية المنخفضة الدخل، وأزمة اللاجئين وإصلاحات صندوق النقد الدولي، وقضايا التجارة، لكن المواضيع السياسية استأثرت بالحيز الأكبر من جدول الأعمال، وأيضاً في المحادثات الثنائية والجانبية للرؤساء المشاركين؛ وخاصة موضوع الإرهاب وسبل مكافحته.
وهذا الأخير طغى على جدول أعمال القمة وجعلها تتحول من الاقتصاد إلى السياسة، انطلاقاً من منظور أن الحرب على الإرهاب أولوية تمهد للاستقرار السياسي في دول المنطقة والعالم. وإن كانت الحرب على الإرهاب استنزافاً اقتصادياً بحد ذاتها، فعدم محاربته أيضاً مشروع لانهيار اقتصادي وسياسي وأمني، وبالتالي استأثرت ملفات وقضايا السياسة بالاهتمام وجاء الإرهاب العالمي في المقدمة، والتغيرات الإقليمية بما في ذلك الحرب الإرهابية الكونية ضد سورية… والحرب على داعش وخاصة بعد الهجمات الإرهابية الأخيرة في باريس وهذا يُذكِر باجتماع جنيف (1) و(2) حيث طرح ممثلو الدولة الوطنية السورية موضوع الإرهاب كأولوية ورفض الطرف الآخر وحلفاؤه ذلك في حينه… وقد أقرت قمة العشرين في أنطاليا بذلك لتؤكد صحة هذا التوجه… الواقع أن قمة زعماء مجموعة العشرين في أنطاليا التركية، ناقشت مطولاً ملفي محاربة «داعش» والأزمة السورية… وتعهدت مجموعة العشرين بتكثيف تعاونها لمكافحة الإرهاب ودحر تنظيم «داعش»… وألقت مجزرة باريس الإرهابية بظلالها الثقيلة على هذه القمة… وسُمِعت صرخات (هولاند وحاشيته) تدعو لمحاربة الإرهاب… تحت ضغط الرأي العام الفرنسي الغاضب من الدماء التي سالت في الشوارع الفرنسية… وطالبت فرنسا التي ذاقت مرارة الإرهاب، لأول مرة، بـ«تدابير ملموسة» لوقف تمويل الإرهاب… علماً بأن حكام فرنسا الحاليين طالما أيدوا بشكل أعمى مواقف الدول الإقليمية الداعمة للإرهاب في سورية.
ولاشك أن المحادثات الثنائية بين الرؤساء تطرقت للملفات السياسية الساخنة وقالت مصادر روسية إن الرئيسين بوتين وأباما اجتمعا «على انفراد وبحثا في الجهود المبذولة لإنهاء الصراع في سورية خلال لقائهما الأول في أيلول. وأضافت: إن لروسيا وأميركا أهدافاً إستراتيجية متشابهة في الحرب على الإرهاب لكن هناك اختلافات في الأساليب… وقال أوباما: «سنضاعف الجهود للقضاء على داعش كقوة يمكنها أن تسبب الكثير من الألم والمعاناة للناس في أنحاء العالم، أما أردوغان العثماني فلم ينجح في القمة باستغلال الجدل حول خطر تدفُّق المهاجرين إلى أوروبا في ضوء اعتداءات باريس، لتسويق دعوته المشبوهة لإقامة منطقة آمنة شمال سورية، خصوصاً بعدما كشفت التحقيقات أن أحد منفذي مجزرة باريس نجح في التسلل بين اللاجئين إلى أوروبا. لكن قادة الدول العشرين اعترفوا بأن أزمة اللاجئين مشكلة عالمية تقتضي تعاوناً.
ورد في البيان الختامي للقمة، أن تفاقم الإرهاب يقوّض السلام والأمن الدوليين، ويعرّض للخطر جهود تعزيز الاقتصاد العالمي، وأضاف: «اتفقنا على اتخاذ خطوات مهمة أخرى لقطع التمويل الذي يعتمد عليه الإرهابيون، ومواجهة الفكر المتطرف للدعاية الإرهابية، والسؤال هل وضعت القمة خطة إستراتيجية واضحة لمحاربة الإرهاب ممثلاً بداعش وأخواته من التنظيمات الإرهابية؟
بالمقابل دعا الرئيس الروسي إلى «توحيد جهود المجتمع الدولي لتعزيز فاعلية مواجهة التهديد الإرهابي». ووجّه رسالة إلى المجتمعين في أنطاليا ركّز فيها على «الهجوم المروع» في باريس، مشدداً على أن التغلُّب على الإرهاب ومساعدة ملايين من اللاجئين ممكنان فقط إذا وحدنا الجهود في إطار ميثاق الأمم المتحدة وعلى أساس القانون الدولي مع احترام سيادة كل الدول ومصالحها. وكم كان الرئيس بوتين واضحاً وصريحاً عندما رمى القفازات في وجه داعمي الإرهاب، قائلاً: (إن تمويل الإرهاب يأتي من أربعين دولة بعض هذه الدول يحضر معنا اجتماع القمة..).
باختصار: إن المواضيع السياسية والأمنية الساخنة في العالم طغت على أعمال قمة العشرين في أنطاليا وخاصة (الإرهاب)، ويمكن القول إن قمة العشرين الاقتصادية كانت سياسية وأمنية بامتياز.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن