قضايا وآراء

لماذا تدّمرها فهي تدّمر نفسها؟

د. بسام أبو عبد الله :

كأن رجب طيب أردوغان يعيد قصة عدنان مندريس رئيس الوزراء التركي المتأسلم الذي انتهى مصيره إلى حبل المشنقة في ستينيات القرن الماضي، وتكرار الحديث عن هذه القضية وفقاً لمبدأ (التاريخ يعيد نفسه) ليس من باب المقارنة فقط بين سلوك الرجلين اللذين يندفعان خلف أميركا، والغرب خلافاً للمصالح الوطنية التركية، وإنما من باب أن من لا يقرأ التاريخ ويتعلم من دروسه فهو أحمق، وهو ما ينطبق على سلوك أردوغان السياسي طوال أكثر من عقد من الزمن من حكمه، وحكم حزبه المتأسلم وتنظيره المنافق في قضايا الديمقراطية والحريات وحقوق الإنسان.
ليس الرئيس بشار الأسد من تلقى الطعنة في الظهر من أردوغان الذي كان يسميه بـ«أخي الرئيس بشار»، الآن بوتين أيضاً يتحدث عن الطعن في الظهر من الجبان والرعديد أردوغان نفسه الذي لا يعرف معنى الصداقة، ولا المصالح، ولا القيم الدينية الإسلامية التي يضحك بالحديث عنها لرعاع الشارع في تركيا الذين لم يفهموا حتى الآن أن أردوغان ليس إلا شخصاً مصاباً بجنون العظمة وسوف يدفعه هذا الجنون إلى مصيره المحتوم، على الرغم من انتصاراته الانتخابية التي لن تصرف في الخارج كما يعتقد.
إسقاط الطائرة الروسية ليس حدثاً عابراً يمر مرور الكرام عند قيصر الكرملين، وإطلاق النار من حثالة أردوغان التكفيرية على أحد الطيارين الروس بهدف قتله، والتقاط الصور أمام جثة الطيار سوف تدفع حكومة داعش في أنقرة ثمنه غالياً هي ومجموعاتها التكفيرية الإرهابية.
الحادثة ليست رد فعل، وإنما حضر لها إعلامياً من رئيس جمهورية داعش (أردوغان)، والطاقم الحاكم عندما بدأ التصعيد الإعلامي من خلال الصحف الموالية له بشأن ما سموه (عمليات إبادة التركمان) التي يعمل أردوغان على المتاجرة بها، وبالمناسبة فإن الجماعات الإرهابية الموجودة في ريف اللاذقية الشمالية هي (شيشانية، أوزبكية، أويغورية) وغيرها من المرتزقة، والهدف قضم تدريجي لجزء من الأراضي السورية بهدف إنتاج ما يسميه أردوغان (منطقة آمنة)، تشكل حديقة خلفية له في الأراضي السورية (أي إعادة اقتطاع أراض سورية) مرة أخرى في تجربة جديدة لما حدث في لواء اسكندرون في ثلاثينيات القرن الماضي.
وإذا كان أردوغان يتاجر في قضية التركمان الذين يعتبرون جزءاً من النسيج المجتمعي السوري ومواطنين سوريين فمن مارس الإرهاب منهم سيحاكم، ومن كان منهم جزءاً من هذا الوطن وصموده فهو بالتأكيد يمثل واقع الشعب السوري البطل بكل ألوان قوس قزح، فإن السؤال الموجه للجبان (أردوغان) أين كانت بطولاتك عندما أبيد تركمان العراق (تلعفر)؟ ولماذا لا تقف مع تركمان أذربيجان مثلاً؟ هل لأنهم من لون مذهبي معين!! مسألة تكشف للمرة الألف نفاق الطاقم الحاكم في تركيا وسخف طروحاته ومقارباته وخاصة أن فتح ملف التركمان سيفتح على تركيا ملف العرب السوريين في لواء اسكندرون، وملفات كثيرة أخرى ليس بمقدور أردوغان الوقوف في وجهها.
القراءة الموضوعية لتصرف أردوغان الأحمق توصلنا إلى الأسباب، والنتائج المحتملة، ففي الأسباب:
1- يريد من دفع أردوغان للقيام بإسقاط الطائرة، وقف الاندفاعة الروسية التي تدعم الجيش العربي السوري في ضرب أدوات العدوان، وخاصة في المنطقة التي يرى فيها أردوغان أنها منطلق إقامة (منطقة آمنة!!).
2- اعتقد من يقف خلف أردوغان أن ذلك سيثبط عزم بوتين في محاربة الإرهاب، وسينعكس على الرأي العام الروسي سلباً، وهو ما أتى بنتائج معاكسة.
3- الرد على لقاء بوتين- خامنئي في طهران، وهو اللقاء الذي وصفه علي أكبر ولايتي مستشار قائد الثورة الإيرانية (بالأكثر أهمية، وإستراتيجية، وشفافية، ووضوحاً منذ قيام الثورة الإيرانية).
4- إعطاء دعم معنوي للمجموعات الإرهابية التي بدأت انهياراتها الميدانية تبدو واضحة للعيان في أكثر من منطقة داخل سورية، وهو ما يعني إسقاط الأوراق التي تمتلكها واشنطن وأدواتها في مسار ما يسمى (حلاً سياسياً) في سورية، وفقاً لما يقوله مراقبون غربيون حيث يؤكدون أن استمرار الزخم الروسي الداعم للجيش السوري سوف يعني تهاوي المجموعات المسلحة خلال شهرين إلى ثلاثة أشهر…
5- الرد على اتهامات بوتين المباشرة والعلنية في قمة العشرين لتركيا، ودول أخرى بدعم داعش لوجستياً، ومالياً، والتجارة بالنفط، وإتباع ذلك بتدمير (1200) شاحنة كانت تسرق النفط، وتنقله لتركيا… بالقول إننا لن نسكت عن ضرب أدواتنا في سورية.
هذه الأسباب ليست الوحيدة في التحليل إذ يمكن إضافة الكثير غيرها، ولكن لابد من الإشارة إلى أن النتائج ستكون (وخيمة) حسب وصف بوتين إذ إن الرد الروسي سيكون سياسياً، ودبلوماسياً، وعسكرياً، واقتصادياً: لأن أردوغان حوّل تركيا إلى بلد معاد لروسيا إضافة لأعدائه الكثر الآخرين داخل تركيا، وخارجها، تحت حجة واهية (الدفاع عن الأجواء التركية) على الرغم من أن أي عاقل يدرك أن موسكو تعتبر أنقرة إلى حد ما صديقة بحكم المصالح الاقتصادية الكبيرة بينهما، ولكن يبدو أن أردوغان يمضي في طريق حماقاته لإرضاء معلميه الأميركان، وإثبات قدرته على ما يعتقده (تغيير المعادلات في سورية)!!
من يعرف حجم العلاقات الاقتصادية بين البلدين يدرك الحماقة التي ارتكبها أردوغان، وبالتالي فإن لدى موسكو الكثير من الخيارات لإشعار أردوغان أنه سيدفع الثمن اللازم لما ارتكبه.
الواضح تماماً: أن حادثة الطائرة ليست عرضية، وإنما هي عمل معدّ له مسبقاً بهدف منع الروس مع السوريين والحلفاء من تدمير أدوات الناتو الإجرامية (داعش وأخواتها) والتي إن أضعفت فسيفقد الغرب وأدواته بما فيها أردوغان القدرة على التأثير وإدخال عملائه السوريين إلى منظومة سورية السياسية مستقبلاً.
لافروف كان واضحاً بالقول (لن نحارب تركيا)، لأن علاقاتنا مع الشعب التركي ستبقى، وهي المقاربة نفسها التي كان الرئيس الأسد يتحدث عنها طوال أعوام تجاه تركيا، لأن من مصلحة أردوغان تجييش الشعور القومي ضد الآخرين بما فيهم روسيا كما فعل مع سورية، وهنا لابد من نزع هذه الورقة منه.
الاعتقاد أن لدى موسكو الكثير من القدرات للرد المباشر، وغير المباشر، وبشكل أولي فإن إغلاق المجال الجوي السوري واستهداف أي طائرات تشكل تهديداً للعمليات العسكرية هو رد أولي، ستتبعه ردود عبر تعزيز العمل ضد الإرهاب من البر، والبحر، والجو… وضرب مصادر تمويل داعش وغيرها من التنظيمات، إضافة للبنية اللوجستية الإرهابية.
إعلان لافروف أن موسكو (لن تدمر أحداً) ومعه حق ما دام الآخر يتجه (لتدمير نفسه) بعد أن أصبحت الأمور مفضوحة، إذ إننا أمام حكومة داعش في أنقرة، وأمام حكومة تدعم التطرف الديني كما قالها بوتين بوضوح.
بينما تجري حرب رسم خرائط المنطقة فإن تركيا ستدفع الثمن بعد أن افتضح أمرها في دعم الإرهاب، أمام عالم يشعر بخطره الداهم في كل مكان.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن