موسكوفا الطراد الروسي الشهير، لا يمكن اعتبار حدث استهدافه بالطبيعي في إطار العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، ولا يمكن الذهاب مبكراً إلى تأويلات بدء حرب عالمية ثالثة، خصوصاً أن بعض وسائل الإعلان بدأت الحديث بهذا الاتجاه.
إن حدثاً بهذا الحجم وما يترتب عليه من إرهاصات، يجعل من احتمال انتقال تداعيات العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا إلى أبعد مما هي عليه الآن، أمراً مرجحاً، بحيث أنه فتح الاحتمالات على حرب غير محدودة بالزمان ولا بالمكان ولا بالقوات المشاركة فيها، ويبقى المستقبل رهين تطورات هذا الحدث والمرتبطة مباشرة بسلوك الفاعلين الدوليين المعنيين به.
وأعلنت وزارة الدفاع الروسية مساء الخميس الفائت، أن الطراد موسكوفا الذي يعد الأخطر والأهم لروسيا في البحر الأسود قد غرق إثر استهدافه من القوات الأوكرانية، ما أثار حالة من الغضب لدى الشعب الروسي، إذ إن ضربة من هذا الحجم تعد الأقوى مما تعرضت له القوات الروسية منذ بدء العملية الخاصة في أوكرانيا، وهو حدث مفصلي له أبعاده وتداعياته التي ستنقل الحدث الأوكراني إلى تمفصلات جديدة على صعيد طبيعة الحرب والأسلحة المستخدمة، والفاعلين الدوليين المشاركين بشكل مباشر فيها، وبالتالي حدودها الجغرافية.
حالة الغضب لدى الروس عبر عنها الإعلام الروسي، إذ نقلت تقارير إعلامية عن التلفزيون الرسمي الروسي قوله: «إن الحرب العالمية الثالثة قد بدأت، بعد غرق السفينة موسكوفا»، وأضافت التقارير نقلاً عن قناة «روسيا 1»: تصاعد الأمور يمكن تسميته بوضوح الحرب العالمية الثالثة»، وأضاف: «الآن نحن بالتأكيد نحارب البنية التحتية للناتو، إن لم يكن الناتو نفسه».
يشير حجم الحدث إلى وجود فاعلين دوليين غير أوكرانيين بدؤوا يتحركون في ساحة العمليات العسكرية الروسية بشكل مباشر، خصوصاً مع الوضع الحالي للقوات الأوكرانية التي تحولت إلى قوات غير منظمة تقاتل بمنطق الميليشيات، بعد أن تمكنت القوات الروسية من تدمير القوات الجوية من طائرات ومطارات وقوات دفاع جوي بشكل شبه كامل للقوات المسلحة الأوكرانية، وما تلا ذلك من استهداف مكثف وعالي الدقة للتسليح الصاروخي الأوكراني، ما يجعل الشك قائماً حول إمكانية قيام القوات العسكرية الأوكرانية المنهكة بعمل عسكري من هذا النوع بمفردها، وهذا يزيد من احتمالية وجود فاعلين دوليين آخرين، يرجح أن تكون بريطانيا والولايات المتحدة الأميركية على رأسهم، قد ساهموا بشكل مباشر في عملية كهذه، وهو ما يجعل تسمية الحرب العالمية الثالثة التي أطلقها الإعلام الروسي استناداً إلى أن الحرب باتت بشكل مباشر مع الناتو، تسمية واقعية.
يدفع اشتراك دول من حلف شمال الأطلسي بشكل مباشر في عملية استهداف وإغراق الطراد موسكوفا، إذا ما ثبت ذلك، بانتظار تحقيقات الدفاع الروسية، إلى انتقال العملية العسكرية الروسية الخاصة في أوكرانيا إلى حرب، حرب شاملة على أوكرانيا بالدرجة الأولى، بتسريع تنفيذ تهديدات موسكو بضرب مراكز القيادة في كييف، ومن ثم خطوات لاحقة، ربما استهداف مصالح دول الناتو الضالع في العملية في حدود جغرافية أبعد من حدود أوكرانيا، ما يعني أن الأخطار العالمية المترتبة على احتمال كهذا ستتصاعد.
رغم التصعيد الشديد الذي تنبئ به مجريات الحدث الأوكراني، إلا أن الاحتمال يبقى مفتوحاً على إمكانية امتصاص الحدث واحتواء رد الفعل الروسي، من المشكوك أنهم من قام به، أو من حلفاء آخرين في الناتو مثل ألمانيا وفرنسا وتركيا، خصوصاً أن هؤلاء ليسوا بالقادرين على تحمل هزات وضغوطات اقتصادية جديدة على بلدانهم وشعوبهم، ومن ثم فإن دفع كييف إلى العودة السريعة إلى التفاوض مع موسكو وتقديم تنازلات محدودة، قد تكون إحدى وسائل امتصاص ردة الفعل الروسية.