قضايا وآراء

سورية ومستقبل العلاقة مع إيران وتركيا.. عندما نطقَ غانتس بنصفِ الحقيقة!

| فراس عزيز ديب

«إذا أرادَ الرئيس بشار الأسد أن يكون جزءاً من المنطقة ويستعيد مقعدهُ في الجامعةِ العربية، يتعيَّن عليهِ أن يُوقِفَ علاقاته السلبية مع إيران»، هذا الكلام ليسَ بروباغندا نشرتها وسائل إعلامية موالية للدولة السورية لكي تثبت حجم التشابك الإسرائيلي بالملف السوري منذ أن خرجَ أول «ثائرٍ» ليقول «حرية»، لكنهُ كلام قاله بوضوح وزير الحرب الصهيوني بيني غانتس خلالَ ندوةٍ نظمها معهد واشنطن لشؤون الشرق الأوسط، واللافت أنَّ الجامعة العربية التزمت الصمت تجاه هذا التصريح لكونها المعنية مباشرةً بالرد، تحديداً أن ما قالهُ غانتس يُثبت ما يعتقدهُ غالبيةَ المواطنين العرب من المحيطِ إلى الخليج، بأنَّ إسرائيل هي من تستلم عملياً الرئاسة الدائمة للجامعة العربية منذ أن تم إخراج سورية منها، إذ كيف سترد الجامعة على هذهِ التصريحات وأمينها العام صديق تسيبي ليفني الودود، وعدَ يوماً بتكسيرِ أقدام الفلسطينيين إن تجاوزوا الحدود في رفح؟!

قد يبدو للبعض بأنَّ ما قالهُ غانتس لا يبدو جديداً، فالقاصي والداني يعرف تماماً بأنَّ أحدَ أهم ما يطلبهُ حلف العدوان على سورية لقاءَ انتهاء الحرب، هي قطع العلاقة بإيران، لكن حتى هذه البديهية لا يمكن النظر إليها بعدَ اليوم بمعزلٍ عن متغيرين أساسيين:

المتغيِّر الأول مرتبط بالأهداف من هكذا تصريحات، قد تبدو أحياناً إقراراً بالهزيمة وقد تبدو أشبهَ بالطعم الهدف منها استعادةَ نغمة التحريض الشعبي ضد الفكرة الجوهرية: هل أنتَ مع أو ضد التحالف مع إيران؟

مبدئياً من حق أي مواطن سوري أن يرى فكرة التحالف مع إيران من الزاوية التي تُرضي قناعاتهِ حتى ولو وصل بهِ المطاف لطرحِ سؤالٍ جوهري: هل أخطأنا عندما أخلَّينا في التوازن بالعلاقة مع الدول العربية الفاعلة والعلاقة مع إيران؟

لكن هذهِ القناعات على أهميتها في خلقِ حوارٍ جاد حول المستقبل الذي نريده لهذا البلد لا يمكن لها أن تُغفل حقيقة مهمة أنَّ فكرةَ إصرار الحلف المتورط بالعدوان على سورية التذكير بمناسبة أو دونِ مناسبة بِما يسمونهُ «خطورة العلاقة مع إيران» هي مجرد شماعَة لا أكثر، الهدف من تكرارها هو وضع القيادة السورية في طرف المتَّهم الذي أُتيحت له الفرص لإنقاذِ شعبه الذي يُعاني ويلات الحصار الاقتصادي والفشل الحكومي لكنه فضَّلَ العلاقة مع إيران على ذلك، هذا الأسلوب يشبهُ الشعارات التي طرَحَها من يسمُّون أنفسَهم النُّخَب المثقفة في المعارضةِ السورية مطلعَ ربيع الدم العربي، بدؤوها بدعوةٍ لإلغاء قانون الطوارئ لكي «يتنفسوا حريةَ قول ما يشاؤون»، لنكتشف بأن ما أرادوا قوله بحرية هو حتمية رفع العلم الإسرائيلي يوماً في دمشق!

يبدو الأسلوب واحداً في المتاجرةِ بالشعارات والأوجاع والهدف قد لا يتوقف عند هذا الحد لكنه بذات السياق ضربٌ بتضحيات الجيش العربي السوري والقوات الحليفة له وإظهار أن بضعةَ مستشارين إيرانيين هم أساس مشكلة المواطن السوري، والحقيقة أن إعلان دمشق غداً الطلب من إيران سحب مستشاريها من سورية لا يعني بأنَّ الحرب انتهت ولا يعني بأنَّ العقوبات أُزيلت، هذه المطالب ستليها مطالب ستصل حتى التَّدخل في المناهج الدراسية، ولو كان سحب المستشارين الإيرانيين من سورية هو العصا السحرية التي ستحل كل هذهِ المشاكل، لما أضاعت القيادة السورية وقتاً في ذلك.

المتغير الثاني مرتبط بالظروف التي يمر بها من نضع الشروط عليه، فمن البديهي أن التصريحات السياسية أيَّاً كان الهدف منها محكومة بسياق زماني يأخذ بعين الاعتبار المتغيِّرات التي تبدو متشابكة بكلماتها مع هذا التصريح، فمثلاً عندما أطلق سيئ الذكر وزير الخارجية الفرنسي الأسبق لوران فابيوس مقولة «أيام (الرئيس بشار) الأسد معدودة» وتبعهُ بذلك عدد كبير من المسؤولين الغربيين والعرب، كانَ هذا التصريح مبنياً على الكثير من المتغيرات أهمها عدم ثقة الأوروبيين بأن الروس سيلبُّون نداءَ الحليف لمساعدتهِ في حربهِ ضدَّ الإرهاب، وأن الدولة السورية خسرت أكثر من نصف مساحة سورية والتنظيمات الإرهابية كانت تبعد بضعة كيلومترات عن القصر الرئاسي، اليوم بعدَ هذا الصمود الأسطوري للشعب والجيش العربي السوري، لا يمكن لأحد إعادةَ اجترارِ هكذا تصريح لأنه سيبدو إما منفصلاً عن الواقع أو مصاباً بالزهايمر على طريقةِ الرئيس الأميركي جو بايدن، هذا المثال ينطبق على تصريحات غانتس باتجاهين: الاتجاه الأول أن هناك فعلياً معطيات جديدة بدأت تفرض نفسها في الملف السوري، القضية تبدو أبعدَ من فكرةِ الانفتاح العربي على سورية وتداعيات العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، وما سينتج عنها من تحالفاتٍ وتفاهماتٍ جديدة، الفكرة قد تبدأ بانهيار النظام المالي العالمي القائم حالياً ولا تنتهي مع دخول الولايات المتحدة المجهول لو تم فعلياً النظر بالوضع الصحي لبايدن، وإلا فلماذا يخشى الأميركيون عودة سريعة لدونالد ترامب؟

الاتجاه الثاني وهو وضع إيران بالتحديد في ظل هذه التفاهمات، وهنا تبدو كلمة السر الجوهرية هي الاتفاق النووي مع الدول الغربية وبمعنى آخر: هناك وجهة نظر علينا النظر إليها بالكثير من الدقة والموضوعية قائمة على فكرةِ إمكانية الفصل بين الولايات المتحدة الأميركية وإسرائيل، نظرياً وعملياً هذا الأمر غير ممكن فأنت عندما تفاوض الولايات المتحدة وتوقِّع معها اتفاقاً ينهي حتى الخصومة معها، فإن هذا الأمر يشمل ضمنياً إسرائيل، أي إن الاتفاق حُكماً سيريح الكيان الصهيوني سواء أَبقيَ التحالف السوري الإيراني قائماً أم قُطعَ كما يُريد غانتس، أما الدول العربية وتحديداً دول الخليج العربي فهي لا تبدو ستعارض أي انفتاحٍ على إيران بل هناك من اقتنع مؤخراً بأن الخطأ بدأ من الدول التي تركت الساحة لإيران وتلهَّت بمؤامراتِ قلب نظام هذه الدولة أو تلك، لكن ماذا عن النظام التركي؟

يبدو الغامض الوحيد هو النظام التركي تحديداً بعد المقال الذي نشرهُ السفير التركي في الولايات المتحدة حسن مراد مرجان والذي دعا فيهِ إلى كسرِ التحالفات التقليدية في المنطقة لكون تركيا وإسرائيل تتشاركان خطرَ الإرهاب والبرامج النووية! وإن كان مقال السفير يشير بطريقة أو بأُخرى إلى الخطر الإيراني، رغم العلاقة المتينة بين الدولتين، فإنه يشير بوضوحٍ وصراحة إلى تبني تركي لربط التنظيمات المقاومة في فلسطين المحتلة، بالإرهاب.

لم يكن هذا المقال مفاجئاً بل إنَّ تزامنهُ مع إصرارِ وسائل إعلامٍ تابعة للنظام التركي بثَّ تقارير عن عودة العلاقة مع سورية، هي مجرد تغطيةٍ على ما يجري من تفاهماتٍ بين رجب طيب أردوغان ويتسحاق هيرتزوغ، لأن أردوغان مدرك تماماً بأن حبل النجاة لن يكون سورياً بعكس ما قد يبدو للبعض، فكان البديل هو إسرائيل والجميع باتَ يعرف من خلالِ ما عشناهُ من أحداث ماذا يعني اللجوء لإسرائيل وإلى أي درجات الانهيار قد يكون وصلَ إليها من يلجأ إلى إسرائيل، فماذا ينتظرنا؟

ما قاله غانتس هو نصف الحقيقة الذي استطاع الاعتراف بها لا أكثر، والقائمة على فكرةِ أن عودةَ سورية إلى مكانها الطبيعي خرجَ من أيدينا، وأن الكيان ومن معه فقدَ الأمل بتحقيق ما يريد في سورية، فبدأ منذ الآن التحضير لانسحاب تكتيكي من السقوف المرتفعة، أرادَ أن يخبرنا بأن الأمور فلتت من أيديهم لكن بطريقةٍ تُظهره بالقادر على فرضِ الشروط، لكن ما النصف الآخر الذي لم يتجرأ على الاعتراف بهِ؟ ببساطة هذا النصف في العبارة التي أطلقها الرئيس بشار الأسد منذ بدء العمليات العسكرية في أوكرانيا: ما يجري حالياً هو تصحيح للتاريخ.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن