لعل المناسبات ليست للاحتفال فقط وإنما للتأمل والتفكير والاستفادة من العبر والدروس، واليوم ونحن في رحاب ذكرى الجلاء ربما لا تعرف أجيال اليوم إلا القليل عن الأحداث السياسية الضخمة التي عصفت بسورية منذ أن دخلها الفرنسيون بـعد موقعة ميسلون، إنها ذكريات حلوة ومرّة في الوقت نفسه.. حلوة بنضال رجال وأبطال الجلاء ومرّة بأساليب الاضطهاد التي كان يمارسها الاستعمار، لقد كانت بلادنا هدفاً للاستعمار ولكن بجهود رجالها الذين كـافحوا وناضلوا وكانوا سبباً في تحرير البلاد من خلال الثورات التي عمت أرجاء سورية، ناضل الأبطال في تلك المرحلة حتى أوصلوا البلاد إلى شاطئ السلامة وحرروها من المستعمر الغاشم وظهرت الروح القومية والوطنية التي تجلت في مواقف عديدة وفي كل شبر من أرض الوطن، ودافع أبناء الوطن بكبرياء وشرف عن تراب بلادهم وكان الثمن قافلة من الشهداء الذين سقطوا في مواجهة الاحتلال الفرنسي، ومن هنا يبدو من المفيد تجديد الدعوة لترسيخ وتعميق ثقافة الجلاء في نفوس وعقول الأجيال من خلال تقديس حب الوطن وتحصين الأجيال من الأخطار التي تهدد ثقافتهم وسلوكياتهم وخصوصية حياتهم الاجتماعية والثقافية كي تظل دروس ومعاني ودلالات الجلاء مستمرة في حياتنا.
واليوم ونحن في رحاب ذكرى الجلاء يواجه وطننا الغالي وشعبنا المقاوم مؤامرة استعمارية جديدة للنيل من حرية الوطن واستقلاله، وكما هي اليوم أهداف الحرب العدوانية الظالمة على سورية فقد حاول المستعمر الفرنسي كسر الوحدة الوطنية عبر تقسيم سورية إلى دويلات، لكن ثورات الأبطال إبراهيم هنانو وصالح العلي وأحمد مريود وحسن الخراط وسلطان باشا الأطرش وغيرهم عكست وجه سورية الوطني فأفشلت خطط الاستعمار فتوحد النضال تحت راية الثورة السورية الكبرى وصولاً إلى فجر الاستقلال.
في ذكرى الجلاء نجد أنفسنا في أمس الحاجة لتمثل قيم الجلاء واستذكار بطولات صانعيه وأن ندرك المخاطر والتحديات التي تتعرض لها سورية والتي تستهدف أمنها واستقرارها وسيادتها وثرواتها، وهي مناسبة أيضاً لتذكير كل من تخونه ذاكرته وكل من لا يقرأ أو يستوعب جيداً تاريخ سورية بأن إيمان شعبنا الراسخ بوطنه وتمسكه بوحدته الوطنية ورفضه المطلق للتدخل الخارجي في شؤون وطنه هو السلاح الأقوى في مواجهة أعداء سورية وإفشال مؤامرة قوى الشر وعملائها.
في ذكرى الجلاء وفي كل يوم ننحني أمام المناضلين المجاهدين بفخر وإجلال فهم الذين زرعوا شجرة الحرية بالنضال والتضحيات ورووها بدمائهم الزكية العطر وبطولاتهم التي مزقت ظلام الاحتلال وصنعت فجر الاستقلال.. والتحية والتقدير لبطولات جيشنا الباسل الذي يحقق الانتصار على الإرهاب ويعزز استمرار مسيرة الجلاء من خلال دحر الإرهابيين وإفشال المخططات الاستعمارية التي تستهدف الهوية والسيادة الوطنية.