يعد العراق ثالث أكبر مُصدّر للنفط وفق منظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك+)، والسادس عالمياً في مستوى الإنتاج النفطي البالغ نحو (4.4) ملايين برميل يومياً وفق (أوبك).
العراق الذي سجل في آذار الماضي، أعلى معدّل لإيراداته المالية النفطية منذ عام 1972، بتصديره ما يساوي 11.07 مليار دولار من النفط، يواجه منذ حوالي الشهر، أزمة وقود كبيرة وخانقة، أدت إلى وقوف السيارات في طوابير طويلة أمام محطات الوقود الحكومية، بعد أن أغلقت أغلب محطات الوقود الخاصة أبوابها التي تشكل 70 بالمئة من محطات التعبئة في العراق، احتجاجاً على قرارات وزارة النفط برفع الدعم عن المشتقات النفطية، واشتراط تعبئة الكاز (المازوت) لأصحاب العجلات كل ثلاثة أيام! إضافة إلى تغيير الآليات المتبعة في تزويد المحطات بالوقود.
إضراب محطات المحروقات الخاصة، ترافق مع خروج تظاهرات كبيرة صباح الـ10 من نيسان الجاري لمالكي معامل الإسمنت والإسفلت وآجر البناء بأنواعه «البلوك» الذي يسميه العراقيون بـ«الطابوق»، إضافة إلى معامل تصنيع البلاط والسيراميك مع عمالهم، قاطعين الشارع المؤدي إلى مصفى الدورة النفطي جنوبي العاصمة بغداد بالصهاريج، احتجاجاً على رفع أسعار زيت الوقود الثقيل أو ما يسمى بالنفط الأسود من نحو 100 دينار لليتر الواحد، إلى 350 ديناراً.
العراق الذي بات يعاني من أزمات سياسية واقتصادية مركبة، يبيع نفطه إلى الأردن ولبنان ومصر بسعر أقل من السعر العالمي بعشرين دولاراً، لدعم اقتصاد تلك الدول، لا يرى أي ضرورة لدعم منتجات معامله الوطنية كإسهام في عملية تطوير اقتصاده!
قرار وزارة النفط العراقية برفع الدعم عن المشتقات النفطية بحجة تقوية النظام المالي للدولة لتسديد ديون العراق الخارجية والداخلية البالغة نحو 68 مليار دولار! وعلى الرغم من الضغوط التي أدت إلى تجميده مؤقتاً، ومعاودة محطات المحروقات الخاصة والمعامل العمل مجدداً في الـ15 من نيسان الحالي، أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية والخضر بشكل غير مسبوق، وإلى ارتفاع أسعار منتجات تلك المعامل، ما انعكس سلباً على حياة المواطن بالدرجة الأساس، كما كاد القرار أن يؤدي إلى تسريح عشرات الآلاف من العاملين في المعامل، ما يزيد من نسب البطالة في العراق، معرضاً قدرة المعامل في منافسة السلع المستوردة للضعف، وفقاً لبيانات العديد من النواب والاقتصاديين العراقيين.
ابتداع وابتكار الأزمات في العراق بات فناً لتعكير أجوائه الاجتماعية، والدفع باتجاه عدم الاستقرار الأمني أو الاقتصادي أو السياسي، لتمرير مخططات خارجية مشبوهة بأيدٍ عراقية.
وفي ظل الأزمة النفطية، عرض وزير النفط العراقي في جلسة مجلس الوزراء في الـ5 من نيسان 2022، وبشكل طارئ، مشروع مد أنبوب البصرة إلى العقبة لتصدير النفط عبر الأردن.
وعلى الرغم من أن المشروع الإستراتيجي لم يكن مدرجاً ضمن جدول أعمال الجلسة، صوتت حكومة تصريف الأعمال على إحالته إلى ائتلاف الشركة الصينية CITIC بكلفة 9 مليارات دولار.
المشروع الذي لاقى جدلاً نيابياً وسياسياً واسعاً، بين مؤيد ورافض له، لم يُعرض قبلاً على الدائرة القانونية للأمانة العامة لمجلس الوزراء لدراسته، ولم يجر الإعلان عنه في المؤتمر الصحفي للمتحدث الرسمي للحكومة ولا في وسائل إعلامها، عدا على أن الحكومة التي مررت المشروع هي لتصريف الأعمال، غير مخولة وفق القانون بإقراره أو تلزيمه لأي جهة كانت.
ثم ما هي الضمانات من عدم تسرب النفط العراقي المصدر عبر العقبة إلى الكيان الصهيوني بنحو مباشر أو غير مباشر؟ فحسب تقرير نشرته صحيفة «الفايننشال تايمز» الأميركية، فإن 75 بالمئة من النفط الذي وصل إلى إسرائيل في الأشهر الماضية مصدره إقليم كردستان الذي يقوم ببيعه إلى الكيان الصهيوني عن طريق تركيا، مقدرة الكمية بـ240 ألف نفط برميل يومياً.
قرار مشروع مد أنبوب البصرة إلى العقبة سبق أن تراجعت عنه الحكومة بعد احتجاجات شعبية ونيابية شاجبة ورافضة، إذ لا جدوى اقتصادية منه، خاصة أن محافظة البصرة تمتلك عدة موانئ ومنصات بحرية على الخليج يمكن توسيعها لزيادة الطاقة التصديرية للنفط، عدا عن أن هناك شبهات تحوم حول المشروع، الذي جرى بداية الإعلان عنه بقيمة 28 مليار دولار، وبعدها أصبح 18 مليار دولار، ثم خفض المبلغ إلى 9 مليارات دولار!
إن كلفة إصلاح الأنبوب الناقل للنفط العراقي عبر الأراضي السورية إلى ميناء بانياس على المتوسط، أقل بكثير من كلفة المشروع المقر، إذا كان الهدف هو تنويع منافذ تصدير النفط لزيادة الطاقة التصديرية له وتقليل كلف تصديره، وهو ذو جدوى اقتصادية عالية، فالنفط سينقل إلى البحر الأبيض المتوسط مباشرة من دون المرور عبر قناة السويس، ما يعني أن تكاليف نقله باتجاه أوروبا وأميركا أقل، وأكثر سرعة، فهل يجرؤ العراق على اتخاذ هذا الطريق؟ أم سيظل يتبع سياسة «وين أذنك».