صدر عن وزارة الثقافة- الهيئة العامة للكتاب دراسة بعنوان «المقولات بين أرسطو وكانط»، للدكتورة أحلام عبد الله، تقع في 335 صفحة من القطع الكبير، وهدفت الدراسة إلى البحث في المقولات والتي تعد الأدوات المعرفية لكل تجربة فلسفية ولها دلالات معرفية متباينة باختلاف غايات الفلاسفة وأهدافهم، حيث يقوم كل نسق فلسفي على مجموعة من المفاهيم الرئيسة أو المقولات ولكل فيلسوف طريقته الخاصة في توظيف مقولاته والربط بينها لتشكيل نسقه الفلسفي الخاص الذي يجعله مميزاً عن غيره، ويعد البحث فيها، وتعريفها، وتبيان طبيعتها، والكشف عن أنواعها وتصنيفها، ودراسة توظيفها منطقياً وطبيعياً وأنطولوجياً ومعرفياً من القضايا الجديرة بالبحث والاهتمام. وركزت الدراسة في تحليلاتها ومقارناتها على فيلسوفين تشكل المقولات البنية الأساسية في فلسفة كل منهما، هما: أرسطو وكانط، وبيان أهميتها عند هذين الفيلسوفين الكبيرين اللذين مثلا مرحلتين نقديتين في تاريخ الفكر الفلسفي.
الإرهاصات الأولية
في البداية كشفت الكاتبة عن الإرهاصات الأولية لتشكل المقولات وتوظيفها في تاريخ الفلسفة، وحاولت تقصي أهمية المقولات والدلالات والمستويات المعرفية التي قيلت بها وكيف وظفت في التجارب الفلسفية المختلفة قبل أرسطو، والبحث في كيفية تطور مفهوم المقولة في الآراء الفلسفية اليونانية قبل أفلاطون عند كل من المدرسة الفيثاغورثية والمدرسة الإيلية وسقراط، ثم البحث في نظرية المقولات الأفلاطونية ومعرفة أبعادها الأنطولوجية والمعرفية وحتى المنطقية لنتبين مدى تأثر أو عدم تأثر نظرية المقولات الأرسطية بها.
وعن دراستها للمقولات في المدرسة الفيثاغورثية تقول الدكتورة أحلام: «إن ما يلفت النظر حقاً إلى المدرسة الفيثاغورثية أنها أسهمت إلى حد كبير في بلورة مفهوم (الأيدوس) أو (الكلي) الذي يكمن وراء ما يحدث من تغييرات وأسهمت أيضاً في التمييز بين ما هو حسي أو متغير وبين ما هو عقلي أو ثابت، إلا أن اهتمامها بالعالم الحسي وما يحدث فيه من تغيرات وكثرة جعلها تقدم عشر مقولات هي عبارة عن عشر ثنائيات متضادة نشأ الكون عن اتحادها أو انفصالها، وهي: المحدود واللامحدود، الفردي والزوجي، الوحدة والكثرة، السكون والحركة، المستقيم والمنحني، المربع والمستطيل، المذكر والمؤنث، النور والظلام، اليمين واليسار، الخير والشر».
أصل المقولات الأرسطية
في هذا الجانب تبحث الكاتبة في أصل المقولات الأرسطية وتعرض الآراء المتباينة حول أصلها، فقد اختلف المناطقة والفلاسفة والباحثون على مر العصور وذهبوا في تفسير أصل المقولات باتجاهات مختلفة، وهي: الأصل المنطقي، الأصل اللغوي، الأصل الأنطولوجي.
حيث يذكر الباحث ماكوفلسكي وهو من أنصار الاتجاه المنطقي أن أصحاب هذا الرأي يرون: (أن المقولات محمولات عليا للجوهر الأول، وأنها تتميز إحداها عن الأخرى وفق علاقتها بالجوهر الأول، وهذا على وجه التحديد مبدأ القسمة الذي يوجه تصنيف المقولات عند أرسطو).
وحول الأصل اللغوي للمقولات الأرسطية، تقول الدكتورة أحلام: « يؤكد أصحاب هذا الاتجاه على الصلة العميقة بين الفكر واللغة، فاللغة هي قبل كل شيء تصنيف مقولي وخلق للأشياء وللعلاقات بين هذه الأشياء فإذا وضعنا هذا في حسابنا نجد أن المقولات الأرسطية يمكن أن تستخلص من صميم اللغة. وأول من حاول الكشف عن الأساس اللغوي هم الرواقيون».
أما أصحاب الأصل الأنطولوجي فيرون أنه من المستطاع إقامة برهان استنباطي على قسمة المقولات عند أرسطو مستمد من الاختلاف بين أحوال وجودها في الجوهر الأول، ويجب أن يبدأ هذا الاستنباط للمقولات على أساس الثنائية والتمييز بين الجوهر والعرض.
المقولات عند كانط
كما تناولت الكاتبة في دراستها أصل المقولات عند كانط والأسس التي وضعت عليها والتي اختلفت في بعض الأحيان عن المنهجية الأرسطية، حيث يقدم كانط تصوراً للمقولة يختلف اختلافاً جذرياً عن تصور أرسطو، فالانتقال من المقولات الأرسطية إلى المقولات الكانطية هو انتقال من الموضوع إلى الذات أو بلغة هيغل من القضية إلى نقيضها، فلقد كنا نركز في مقولات أرسطو على خصائص الوجود المدرك ونحن هنا على خصائص العقل المدرك، وكانت المقولات هناك موضوعية وهنا ذاتي. وإذا كانت المقولة الأرسطية أنطولوجية خالصة فإن المقولة الكانطية أبستمولوجية خالصة.
وتقول الدكتورة أحلام: «إن هذا الانزياح الفكري في توظيف المقولات من المستوى الميتافيزيقي عند أرسطو إلى المستوى الإبستمولوجي عند كانط سببه تغير هام في موضوع البحث الفلسفي فقد كان الموضوع الرئيسي للفلسفة اليونانية في عصر أرسطو هو الوجود أما في العصور الحديثة فقد أصبح العقل وإدراكه».