قضايا وآراء

«يداك أوكتا وفوك نفخ»

| منذر عيد

لم يكن الغرب الأوروبي والأميركي ليظن لحظة أن العقوبات التي فرضها على روسيا مع بداية عمليتها العسكرية الخاصة في أوكرانيا، ستتحول إلى حبل يلتف حول رقبته الاقتصادية، وأن السحر سينقلب على الساحر، وبأن جميع ما أصدرته دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأميركية من قرارات طالت الاقتصاد الروسي، خاصة قطاع المصارف والنفط والغاز، ليست إلا قرارات عقوبات على الشعوب الأوروبية والأميركية.

طبعاً لا أحد ينكر تأثير العقوبات الغربية على روسيا، وبأنها وبشكل ما أربكت الاقتصاد الروسي، إلا أن الحقيقة الكبرى التي بدأت بالانجلاء شيئاً فشيئا هي أن انعكاسات تلك العقوبات في الداخل الأوروبي والأميركي كانت أكبر بكثير من تداعياتها في الداخل الروسي، حيث استطاع الأخير امتصاص الصدمة، وهو ما أكده الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بالأمس، حين قال: «من الواضح أن العامل السلبي الرئيس في الاقتصاد الروسي، في الآونة الأخيرة، كان ضغط العقوبات من الدول الغربية، وكان الهدف هو تقويض الوضع في بلدنا بسرعة، مالياً واقتصادياً، لإثارة الذعر في الأسواق وانهيار النظام المصرفي، ونقص السلع في المتاجر على نطاق واسع، لكن، يمكننا القول بثقة، إن مثل هذه السياسة تجاه روسيا فشلت».

قرار السياسيين الأوروبيين والأميركيين بفرض قيود جديدة ضد روسيا، قلب أسواق الطاقة، وأدى إلى أزمة غير مسبوقة في بلدانهم، وأثر في ملايين الأوروبيين، كما انعكس على الولايات المتحدة، حيث أكد خبراء اقتصاد أن أميركا تشهد معدلات تضخم قياسية هي الأعلى منذ عقود، إذ وصل لنحو 9 بالمئة وهي نسبة كبيرة لم يسجل مثلها منذ أكثر من 4 عقود، وذلك نتيجة لارتفاع أسعار النفط والغاز وما سببه من ارتفاع في أسعار المحروقات عامة ومادة البنزين خاصة، والتي وصلت أسعارها في أميركا لمستويات تاريخية، كما ارتفعت أسعار الغاز الطبيعي إلى أعلى مستوى منذ عام 2008، حيث قفزت العقود الآجلة بنسبة 10 بالمئة، لتتداول عند مستوى مرتفع يصل إلى 8.05 دولارات لكل مليون وحدة حرارية، وهو أعلى مستوى منذ 13 عاماً.

الحال في القارة العجوز أكثر سوداوية مما هو عليه في أميركا لاعتمادها بشكل كبير ومباشر على الطاقة الروسية، حيث تشكل إمدادات الفحم الروسي 46 بالمئة من إجمالي الواردات الأوروبية، والغاز 38 بالمئة، والنفط 26 بالمئة، وضع أوروبا السيئ أكدته وكالة «رويترز» في أحد تقاريرها بالقول إن الأوروبيين يواجهون الآن ضررا كبيراً لمستوى المعيشة، حيث أدى الوضع في أوكرانيا إلى ارتفاع أسعار الوقود والغذاء ويهدد بتقويض الانتعاش الاقتصادي الهش، وأن ارتفاع أسعار النفط الخام في الأسواق العالمية نتيجة للحرب وقرار الولايات المتحدة حظر واردات النفط الروسي، أدى إلى أكبر قفزة أسبوعية في أسعار البنزين في بعض محطات الخدمة في جميع أنحاء أوروبا، ما دفعها في بعض الحالات إلى أكثر من 2 يورو.

استشراف خبراء الاقتصاد لواقع أوروبا السلبي، دفع بهم إلى التحذير من حدوث أعمال تمرد في كل مكان، ليؤكد خبير الشؤون السياسية والاقتصادية الفرنسي ألكسندر ديل فالي أن حظر توريد الوقود الأزرق من روسيا سيؤدي إلى تدمير أوروبا، قائلاً: «العقوبات الغربية المرتبطة بالعملية العسكرية في أوكرانيا ستتحول بسرعة إلى كابوس للناس، وبعد أن يعجزوا عن تدفئة منازلهم وتنخفض قوتهم الشرائية بشكل حاد، ستبدأ أعمال التمرد في كل مكان».

على عكس الوضع في أوروبا وأميركا، تشير أرقام بورصة موسكو، وأسعار الصرف في روسيا إلى أن العقوبات الغربية لم تُؤْت أُكُلَها، حيث تراجع سعر صرف اليورو والدولار مقابل الروبل الروسي، وتم تداول العملة الأوروبية دون مستوى 83 روبلاً، وذلك للمرة الأولى منذ الثامن من الشهر الجاري، وانخفض سعر صرف اليورو بواقع 3.02 روبلات إلى 82.33 روبلاً، في حين تراجع سعر صرف الدولار بواقع 87 كوبيكاً إلى 79.07 روبلاً.

ربما تسببت الحمية، وحجم العداء لروسيا، عند بعض زعماء الدول الأوروبية في جر القارة برمتها إلى مستنقع الانكماش والتضخم الاقتصادي، وربما إلى الجوع والفوضى، ليصبح سيف العقوبات على روسيا ذا حدين، تكون الغلبة بالنسبة للقابض على نصله لمن يستطيع الصبر والتحمل أكثر، ويمكن التأكيد والقول إن الأوروبي قام بإطلاق النار على قدميه عندما قرر الانجرار وراء الأميركي بفرض عقوبات على موسكو، ويحق فيه المثل القائل: «يداك أوكتا وفوك نفخ».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن