من دفتر الوطن

محام.. للشيطان!

| فراس عزيز ديب

قيل عن جريمة قتل هابيل على يد قابيل بأنّها الجريمة الأولى في التاريخ، ورغم السياق الديني الذي يحكي لنا حكاية أول قطرة دم تسال على الأرض لكونهما ولدي سيدنا آدم عليه السلام، إلا أن ما يميزها عن الكثير من الصور التاريخية القميئة التي تخصنا أنها لم تضع الجميع بمكيال واحد، لم يقولوا لنا مثلاً على طريقة العديد من الروايات المرتبطة بالتاريخ الإسلامي بأن سيدنا هابيل قتل على يد «سيدنا» قابيل بتحريض من سيد ثالث ليصبح الثلاثة بموضوع القداسة التي تمنع الإساءة لهم!

بمعزل عن تلك المقاربات المخجلة في تاريخنا، فإن قصة هابيل وقابيل قد تبدو للبعض جريمة غير مكتملة المعالم وكأنها توحي لنا بسؤال مهم: ماذا لو جلسنا يوماً مع قابيل لنستمع إلى روايته في القتل؟ لعلّه يمتلك الكثير من الأعذار المخفّفة لهذا الفعل!

هذه المقاربات هي ما يطلق عليها توصيف «محامي الشيطان»، هي لا تبدأ من نقطة الشك في الوقائع التي يجب أن يتبعها أي رجل قانون للوصول إلى الشروحات والأسباب المتعلقة بالجرائم، لكنها تظهر من خلال نزوع النفس الأمّارة بالسوء نحو كل ما هو شر، لأن الفعل الجرمي هو ردة فعل إرادية يمنع القانون القيام بها وبالتالي لا يمكن إيجاد مسوّغات للجريمة أما البحث عن تخفيف العقاب فهو أمرٌ آخر.

أن تكون محامياً للشيطان فلست مضطرّاً أن تحمل شهادة بالقانون أو رخصة لممارسة مهنة المحاماة، أن تكون مثقفاً أو تحمل شهادات عليا، لست مضطراً أن تضع يدك على جريمة بعينها وتحاول البحث في وقائعها ستضع كل هذا جانباً وتبدأ بالدفاع عن مقترفيها بمعزل عن وقائع الجريمة، باختصار لكي تكون محامياً للشيطان يكفي فقط أن تكون شخصاً بلا كرامة، ربما هو طلبٌ صعب عند الأغلبية العظمى لكنه عند البعض يبدو سهلاً.

قبل الحرب على سورية كنا نظن بأنّ محامي الشيطان هو ذاك الذي برّر غزو العراق أو ذاك الذي يرى بأنّ الكيان الصهيوني له حق بهذه الأرض، بعد الحرب بدت الفكرة تنطبق على أولئك الذين باعوا بلدهم بقنطار من الفضة بانتظار دخول الناتو مثلاً، لكن يوماً بعد يوم يبدو بأنّ فكرة «محامي الشيطان» بدأت تصبح مرضاً متفشيّاً يقع البعض بطرق شتى في مطبه.

تبدو عبارة «أن تحكم في الجحيم أفضل من أن تخدم في الجنة»، المقتبسة من فيلم آل باتشينو الشهير «محامي الشيطان» هي تجسيد حقيقي لهذه الفكرة، هناك من أدار ظهره للجنة طالما أن الجحيم يجعله سيّداً، قد تكون صحفياً تسخّر قلمك للكتابة بالقطعة دفاعاً عن فاسد هنا وهناك، قد تكون مثقفاً بارعاً في إيجاد تخريجات لكل السقطات الحكومية وغير الحكومية، قد تكون مخرجاً حولت عدسة كاميرتك نحو كل ما يعمم انتصار الشيطان.

في الخلاصة: نحن أمام خروج جماعي من جنة «أن تكون صادقاً» على طريقة خروج من «أبى وتكبّر»، ولأنّ الجرائم المقترفة بحقّ هذا الوطن بدت أكبر من أن تحصى زاد عدد محامي الشيطان، من قال إنّ لقب محام يعطي صاحبه الحصانة؟! لكن مهما طال الزمن.. لا يصح إلا الصحيح!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن