«مع وقف التنفيذ».. دراما تصور الواقع الاجتماعي بعد الحرب! … مع وقف التنفيذ.. دراما سورية تأخذ من الواقع الذي لم يعد قادراً على استيعاب فظاعة ما يجري!
| سارة سلامة
بات من المعلوم أن المتابع السوري مشتاق للدراما الاجتماعية المعاصرة التي تعالج مشاكله وتناقش قضاياه، هو اليوم بعد كل الممرات الضيقة التي تعرض لها يحتاج إلى عمل يلامس تفاصيله ويحاكي وجعه. من هنا يبدو أن أي مسلسل لا يعالج قضاياه لم يعد مرغوباً لديه إلا في حالات نادرة، وهذا يوضح ابتعاد الناس عن دراما البيئة ومهاجمتها لأنها لم تعد قادرة على تلبية طموحاتهم ومواكبة همومهم.
وهذا ما اشتغل عليه صناع مسلسل «مع وقف التنفيذ» الذي يعتبر من أهم الأعمال في الموسم الرمضاني الحالي، حيث إنه يسلط الضوء على حياة الأسر المهجرة، ويقتنص حكاية شائقة من حيّ عانى ما عاناه وتعرض للتصدع جراء الحرب، حالة من الفوضى العارمة أثرت في المكان، وتركت وقعها النفسي على الأشخاص.
يكتب علي وجيه ويامن الحجلي عن الواقع السوري ضمن حيّ تدور أحداثه في الضواحي الذي تعرض للدمار وهجره أهله في الحرب، ويبحثان في الظروف القاتمة التي حلّت بالأبطال نفسياً ومهنيا، هذا أسلوب عمل عليه الثنائي في طرح «ثيمة»، ودراما تحاكي الناس قريبة منهم حتى لو حملت بعض المبالغة أو القتامة والشر المطلق إلا أنها دراما شائقة صدامية تغوص في خبايا المجتمع وتفكك خيوطه.
وحيث تتقن عدسة المخرج سيف السبيعي هويتها وتصوغ بمهارة طرح الواقع الموحش بأسلوب شائق ورشيق، ويدخل البيوت ويسمع صوتها فأننا أمام عمل يستدعي الاهتمام.
تعبر عن حياة المهجرين
الثنائي وجيه والحجلي ينغمسان في قضايا تمس المجتمع السوري ويعملان على تشريحها ليحيكا رواية قريبة من الناس تطرح همومهم وتعبر عن حياة المهجرين الذين عادوا إلى أحيائهم بعد أن ذاقوا المرارة لسنوات طويلة، يصورون كيف تتبدل طبائع الناس وتتغير عند الكثيرين قيمهم ومبادئهم، فعندما يتعرض الإنسان لظروف قاهرة ممكن أن يتحول من ملاك إلى وحش.
ويبدأ العمل بعودة المهجرين إلى الحي الشعبي وسط فرحة عارمة، حيث يدشن المحافظ إتمام عودة المياه إلى الحي لتنسج الحكاية من قلب البيوت.
تصوير المجتمع بعد الحرب جعل من الكاتبين يجتثان الملفات العالقة في رواسبه والبحث أكثر في أسلوب العلاقات والاستغلال والشعوذة التي يلجأ إليها البعض ليلقوا عليها آمالهم كما يتعرض للسلطة والفساد وأمراء الحرب، فنجد أنفسنا أمام حكاية طازجة ممزوجة بالألم والقهر تطرح المشاكل العالقة على السطوح وبين الجدران.
أداء مميز
وبرع في تقديم شخصيات العمل نخبة من نجوم سورية الذين رفع أدائهم الراقي من مستوى العمل منذ أولى حلقاته، حيث أدت صباح الجزائري «أم هاشم» شخصية استثنائية وأخرجت في مشهد ماستر لها معاناة الأمهات والأبناء والأرض السورية، كما يقدم غسان مسعود «حليم»، شخصية صحفي شيوعي لا يتخلى عن مواقفه رغم كل الملاحقات الأمنية يأبى أن يتنازل ويفني عمره في ملاحقة قناعاته، ويتهم في قضية مقتل صديقه، «أبو الشوق» ساعياً وراء كشف المجرم.
كما يقدم عباس النوري من خلال شخصية «فوزان» أداء أكثر من رائع مستخدماً أدواته بتكنيك عالٍ مع أفيهات لا تخلو من الطرافة تشعرنا بالسعادة في حديثه دائماً، وهو رجل وصولي انتهازي أجبرته الظروف إلى المتاجرة ببناته ولكن بالحلال ليزيد مكتسباته، كما يستغل حفيدته ويعلّمها السرقة من والدها.
بينما يكسب فادي صبيح الرهان مجدداً ويقدم شخصية «هاشم» بحرفية عالية يبرع هذا الممثل في اكتشاف توليفة الشخصية، ويشتغل على تفاصيلها ويتوحد معها فنراه غير راض بارتباطه بابنة عمته سكر (شكران مرتجى)، ويقع في غرام أوصاف (حلا رجب) ويتزوجها من ثم يطلقها.
أما سلاف فواخرجي «جنان العالم» فهي من الشخصيات القوية والمؤثرة التي تؤديها سلاف، وهي فتاة أجبرتها ظروف الحياة لعصيان والدها والعمل مع دجال من أجل المال، فتاة انتهازية، تتزوج من شخص ذي سلطة قاسي القلب يعنفها ويحرمها من الإنجاب.
وتتفوق صفاء سلطان على نفسها في شخصية «عتاب» أو «بدور» التي تأخذها الظروف إلى عالم آخر وتتعرض للاعتداء الجنسي على يد مشعوذ لتدفع ثمن هذه الغلطة كل حياتها، وفي الجانب الآخر تتألق على المسرح كنجمة تخطف الأضواء.
بينما يقدم يامن الحجلي دور عزام شخصية تعانى من صدمات نفسية تركت أثرا في تصرفاتها وتعاملها مع الناس انتقامية شريرة تخفي نفسها بغطاء الخير.
وتؤدي حلا رجب «أوصاف» ابنة فوزان فتاة لعوب تعمل على استغلال الشباب لتحصل على المال، لتشكل ثنائي مميز مع «فوزان» عباس النوري، بذكائها وحسن اشتغالها على الكاركتر تتصدر لتبرز كنجمة من الطراز الرفيع.
ويظهر فايز قزق من خلال شخصية «طريف» بشكل ولهجةً مختلفين، بأداءه المتقن كسر القواعد البالية وخط اسمه بين النجوم.
ويضم العمل على قائمة أبطاله: عباس النوري، سلاف فواخرجي، غسان مسعود، صباح الجزائري، صفاء سلطان، يامن الحجلي، حلا رجب، فايز قزق، جلال شموط، محمد قنوع، زهير عبدالكريم، ريام كفارنة، وائل زيدان، سهير الصالح، سارة بركة وغيرهم.
«مع وقف التنفيذ» من إنتاج شركة «إيبلا الدولية» ويشكل التعاون الثاني للثنائي علي وجيه ويامن الحجلي مع المخرج سيف السبيعي بعد «على صفيح ساخن».