كثيرون تابعوا الفيديوهات المسربة لجلسات التنظير التي أتحفنا بها رئيس الوزراء، ووزير الخارجية القطري السابق حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني، وفيها أقر بالدور التآمري الذي لعبته هذه المشيخة ضد سورية لأكثر من عقد من الزمن ولا تزال، وإنفاق أكثر من 137 مليار دولار عداً ونقداً على تدمير بلادنا، ومدننا، وأهلنا، كما اعترف أيضاً أن بندر بن سلطان طلب ميزانية بقيمة تريليوني دولار لإسقاط النظام السياسي في سورية، وبغض النظر عما أنفق من مال هائل للتدمير والتفتيت، وبث الفتنة، فإنه من الضروري جداً لـ«الديمقراطيين» السوريين الجدد الذين ينظّرون علينا من الدوحة، ومن قناة «الرأي والرأي الآخر» أي «الجزيرة» أن نُطلعهم على تاريخ مشيخة قطر الديمقراطي وفقاً لما نُشر من وثائق ومعلومات كثيرة حول دور هذه المشيخة.
آل ثاني أسرة سعودية هربت من نجد إلى قطر حيث عملت مع الإنكليز على الاستقلال عن النفوذ السعودي برئاسة الشيخ حمد بن علي آل ثاني الكبير في عام 1971، الذي عين شقيقه ولياً لعهده لأنه أصلح من ابنه، بيد أن الشقيق ترك الحكم لابنه هو، ولم يعده لابن شقيقه، تلك هي بداية المسيرة الديمقراطية، والإرث الفكري الثقافي لهؤلاء، لكن انقلاباً عسكرياً نفذه ابن عم الأمير الشيخ خليفة بن حمد آل ثاني الذي عمل على توطيد حكمه من خلال تسليم مفاصل المشيخة لأولاده، ومنهم حمد بن خليفة أكبر أولاد الأمير، وأفشلهم دراسياً، ما دفع والده لإخراجه من المدرسة قبل أن ينهي الثانوية وليرسله إلى كلية ساند هيرست العسكرية البريطانية، ومع ذلك لم ينهِ الدراسة فيها إذ فصل بعد تسعة أشهر، لكن الإعلام القطري قدمه كجنرال فذ ليتولى قيادة الجيش وولاية العهد.
قام الأب خليفة بتزويج ابنه حمد من موزة بنت ناصر المسند التي يعتبر والدها أحد المعارضين لحكم آل ثاني، وذلك بهدف إنهاء طموحات هذه العائلة، وكانت موزة الزوجة الرابعة لحمد، والهدف كان سياسياً، لكن ابنة ناصر المسند سيطرت على الأمير بدهائها وجمالها، وبدأت تحيك خيوط المؤامرة، حيث أقنعت الأمير حمد بن خليفة بالانقلاب على والده على الرغم من أنه ولي رسمي للعهد، ووقع ذلك في 27 حزيران 1995، حيث غادر الأب خليفة إلى أوروبا في رحلة استجمام، وودعه ابنه حمد في المطار، وقام بتقبيل يده أمام عدسات التلفزة من دون أن يدرك الأب أنه اللقاء الأخير، وبعد مغادرة الأب نفذ حمد انقلابه، فاعتقل مؤيدي والده، وزجّهم في السجن، إلا أن الأب لم يستسلم حيث قام مؤيدوه بمحاولة انقلاب في شباط 1996 قادها ابن عمه، وشارك فيها بعض أولاد حمد بن خليفة من زوجاته الأخريات انتقاماً لجدهم، ونكاية بـموزة التي كانت رأس الأفعى بالنسبة لهم، ما دفعها لتصفية مراكز القوى تحت هذا العنوان للدفع بولديها جاسم وتميم، الأمير الحالي، للسيطرة على الحكم.
شاركها في تنفيذ الانقلاب والتصفية حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني وزير الخارجية آنذاك، وبالمناسبة فإن خليفة الأب الذي أطيح به يتمتع بصلة قرابة مع ابن جاسم، وحسب مصادر متعددة فإن شقيقة حمد بن جبر آل ثاني قطعت علاقتها بأخيها، وأصدرت بياناً من أبو ظبي تبرأت فيه منه، بعد أن تآمر على خليفة الأب مع موزة بنت المسند التي كانت تعمل ليل نهار لإيصال أحد أولادها للحكم، الأمر الذي حققته بتعيين ابنها جاسم ولياً للعهد، ثم استبداله لاحقاً بـتميم الأمير الحالي بعد إزاحة والده حمد بن خليفة، مع حمد بن جبر آل ثاني الذي كان قد شاركها جزءاً كبيراً من مؤامرتها، ولكنها لا تثق بمن يتآمر مثلها، فأطاحت به أيضاً لترتب الأمور لابنها تميم الذي يحكم الآن بشكل مطلق وبإدارتها.
منذ زمن حمد بن خليفة عمل آل ثاني على إعادة إطلاق دور جديد لقطر بالتعاون مع الإسرائيليين والأميركيين، فتم تأسيس قناة الجزيرة القطرية عام 1996، وتمويل أكبر قاعدة عسكرية أميركية «العديد»، التي انتقلت منها الطائرات الأميركية لتدمير العراق، والتآمر على سورية، والمقاومة في المنطقة.
اعتقد القطريون أن بإمكانهم من خلال المال الهائل الذي يمتلكونه أن يلعبوا دوراً أكبر من حجمهم، خدمة للولايات المتحدة، والمشروعات التي وضعتها لتفتيت المنطقة، وتدمير منافسيها، أو الذين يرفضون منظومة هيمنتها، ولهذا احتضنوا ومولوا حركات الإخوان المسلمين بالتعاون مع إدارة باراك أوباما وهيلاري كلينتون، وسوقوا لهم لقلب أنظمة الحكم في الوطن العربي، حيث نجحوا بالتعاون مع تركيا «أردوغان» في الإطاحة بـزين العابدين بن علي في تونس، وحسني مبارك في مصر، ومعمر القذافي في ليبيا، لتصل المحطة إلى سورية التي صمدت صموداً أسطورياً لتطيح بالمشروع، وليبدأ الدومينو بالارتداد بشكل عكسي، ما جعل القطريين يصابون بالهستيريا على الرغم من مليارات الدولارات التي أنفقوها، واستخدام الإعلام القذر في قناة «الجزيرة» كأداة لكي الوعي، وغسل الأدمغة، فـ«الجزيرة» لم تكن محطة إعلامية إنما غرفة عمليات عسكرية، وكل من يتابع وثائق ومراحل تأسيسها، يجب أن يتذكر زيارة شمعون بيريز إلى مقرها في الدوحة.
يكتب الصحفيان الفرنسيان كريستيان شينو، وجورج مالبرونو في كتابهما «أسرار الخزنة» أن حمد بن خليفة، وحمد بن جبر آل ثاني، وموزة بنت المسند، كانوا يعتقدون أنه بالإمكان خلال المال شراء كل شيء، وكل الناس، وأن حمد بن جاسم بن جبر آل ثاني اتبع دبلوماسية الشيكات، حيث كان ينظر للعالم، وكأنه سوبر ماركت يمكن شراء كل شيء منه، وحسب رواية شينو ومالبرونو فإن حمد عرض على وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف شراء الفيتو الروسي الأول في تشرين الأول 2011 لمنع استخدامه في مجلس الأمن لمصلحة سورية، وأقرّ الصحفيان الفرنسيان أن قطر متورطة بصورة كبيرة، ومباشرة في سورية إلى حد أنها اعتقدت أنها لن تقبل إلا بسقوط الرئيس بشار الأسد، مشيرين إلى أن النتيجة ستكون وخيمة في حال انتصار الرئيس بشار الأسد، ويكشف الكتاب الفرنسي كيف تلاعب حمد بن جاسم بأعضاء الجامعة العربية لمساندة الجماعات العميلة السورية التي سموها «معارضة» سورية، وكيف أفشلت مهمة الأخضر الإبراهيمي ولجنة المراقبين العرب بهدف تدويل الملف السوري، ونقله للأمم المتحدة.
أنشأت قطر أذرعاً إعلامية إضافة لـ«الجزيرة» منها صحيفة «العربي» وقناة «العربي» الفضائية ومولت محطات سورية في إسطنبول، كما مولت موقع «ميدل إيست أي» باللغة الإنكليزية، ويفضح مايكل روبين أحد المحافظين الجدد في أميركا في مقال له في «أميركان إنتر برايس» أن القطريين لا يخفون دور قناة «الجزيرة» في الترويج للإخوان المسلمين ومشروعهم السياسي، والعمل على المزج في ذلك بين التغطية الإعلامية والتحريض، وتقديم نشطاء مزيفين، وهم ليسوا إلا متطرفين.
سفير روسيا السابق في قطر فلاديمير تيتورينكو اعترف في برنامج «جولة في الذاكرة» على قناة «ارتي» العربية أن القطريين اعتدوا عليه في مطار الدوحة عام 2011 بسبب إدانته الدائمة، وحديثه المستمر عن مكافحة الإرهاب، وعرض وجهة نظر بلاده بوضوح وصراحة في الدوحة، وأنهم حاولوا خطف الحقيبة الدبلوماسية منه، حيث هاجمه 15 شرطياً قطرياً وضربوه ضرباً مبرحاً، ما أدى إلى إصابته برضوض، ونزيف في العين، كما احتجزوه في المطار في حادثة نادرة جداً، ومخالفة للقوانين الدولية، وكشف أن الثلاثي حمد بن جبر آل ثاني ويوسف القرضاوي وعزمي بشارة، عملوا بطرق خبيثة، وحرضوا لتأجيج الصراع في سورية، وأن قطر رفعت شعار تغيير الأنظمة، والتدخل في شؤون الدول.
الآن من يتابع تغطية قناة «الجزيرة» لما يجري في أوكرانيا، سيتذكر تغطية هذه القناة للحرب على سورية، هي تقوم بالدور التحريضي نفسه، إضافة إلى الكذب والتزوير والتضليل، واللغة المليئة بالحقد على روسيا، تكملة لدورها المكلفة به من حلف الناتو بزعامة واشنطن، وخاصة بعد أن حصلت على موقع الحليف من خارج الحلف، وبالتالي عليها تنفيذ سياسة الحلف الإعلامية.
يبقى السؤال المهم لأولئك الذين يعتقدون أن هناك دوراً قطرياً، والحقيقة أنه بناء على ما عرضته أعلاه علينا أن نفهم أن قطر «مقاول صغير» عند الولايات المتحدة وفقاً لما قال حمد بن جبر آل ثاني في حديثه مع القبس الكويتية، وبالتالي فإن المعارضين السوريين الذين يدعون أنهم يريدون أن يبنوا لنا مستقبلاً ديمقراطياً، إضافة إلى تعليمنا معنى الحرية، والكرامة من شرفات الفنادق في الدوحة، يعرفون أنهم مجرد عملاء عند مقاول صغير عند الأميركي.
تخيلوا أيها السادة هذه المعادلات التي يريد هؤلاء أن يقدموها لنا في معارضتهم الشريفة جداً، والتي بدأت مع دبلوماسية الشيكات لصاحبها آل ثاني في قطر.
فعلاً كما قال الصحفي الفرنسي كريستيان شينو: إن قطر هي «كالضفدع الذي أراد أن يصبح بقرة».