اقتصاد

جاسوس في المؤسسة!

| د. سعـد بساطـة

قرأت أن السوفييت فيما مضى اكتشفوا عـميلاً لوكالة الاستخبارات الأميركية في وزارة سيادية ببلدهم؛ وظل هذا العميل لسنوات يمارس مهامه المطلوبة حتى تم اكتشافه والقبض عليه. استغرب المحققون السوفييت من ذلك العميل أنه لم يسرب معلومة واحدة لمخابرات بلده. وعندما سأله المحقق: «ما طبيعة الأنشطة التي نفذتها طوال السنوات الماضية لمصلحة الحكومة المعادية؟»، أجاب: «كانت مسؤوليتي هي هدم هذه الوزارة الحيوية وإضعافها لأقصى درجة! وقد نجحت في تنفيذ مهمتي بامتياز!». استشاط المحقق غيظاً وسأل: «كيف فعلت ذلك وأنت لم تجند أي شخص ولم تسرّب أي معلومة؟»، ابتسم العميل مجيباً: «بالفعـل! ولكني قمت بما هو أخطر من ذلك، فطوال الفترة الماضية ومن خلال عملي في إدارة الموارد البشرية حرصت على أن يتم تعيين الأشخاص غـير المؤهلين بالمناصب القيادية في تلك الوزارة..».

هنا نتساءل: ما الذي يترتب على تعيين مدير فاشل في مؤسسة ما؟ في واقع الأمر فإن ما قام به ذلك الجاسوس يعـتبر أمراً مرعباً بكل ما تعنيه الكلمة، وذلك لأن المدير الفاشل يعرف بقرارة نفسه أنه غير مؤهل، فيعمل مباشرة على البحث عن أمجاد شخصية تضمن تلميعه وإبراز صورته. نتيجة لذلك تتجه جهود المنظمة وتركيزها للصراعات الداخلية ويتم استهلاك الموارد المالية والبشرية في مشاريع للأغـراض الإعلامية والمهام عـديمة الفائدة عـوضاً عـن النمو والتحول الإستراتيجي.

ولا ننسى المدير الفاشل يرفض تعـيين أي كفاءات يمكن أن تهدده؛ لذا فهو يحرص عـلى تعـيين أزلام جبناء لا يملكون الجرأة لطرح آراء مخالفة وكل ما يجيدونه تنفيذ أوامر مديرهم الفاشل.

وهنا يمكننا تخيـّل مصير المشاريع المختلفة تحت قيادة إدارات ضعـيفة وموظفين غير أكفاء.

ما الحل إذن؟ أول دروس تعـلمناه في الهندسة الصناعية بالجامعـة أن الهدف النهائي لعملية التصنيع هو ضمان جودة السلعـة/ الخدمة. بالماضي كانت المصانع تركز على فحص المخرجات النهائية في خطوط الإنتاج حيث تستبعـد المنتجات التي تحوي مشكلات أو عـيوباً حيث تضمن المؤسسة الحفاظ عـلى سمعـتها بوصول المنتجات السليمة والجيدة فقط للسوق.

ولكن تطوّرت الإستراتيجية لاحقاً، فبدل التركيز على المخرجات النهائية فمن الأجدر الاهتمام بالمدخلات بدايةً ومعالجة الخلل في المراحل المبكرة لعملية التصنيع ما يضمن لاحقاً تقليص المشكلات لتصل لحدها الأدنى.

ولإسقاط الموضوع ذاته في إدارة التوظيف بشؤون العـاملين (الموارد البشرية)، بدل التعامل لاحقاً مع الموظفين أصحاب الأداء السيئ أو المديرين الفاشلين؛ فالأجدر هو الاستثمار بشكل جيد من خلال عـملية التوظيف حيث لا يجري تعيين سوى أشخاص أكفاء أو قابلين للتدرًب بغـية تطوير مهاراتهم ولديهم الرغـبة والمسؤولية مما سيقلل من دون شك نسبة المشكلات الوظيفية مستقبلاً بدرجة كبيرة. ويكفينا أن الإداري العـالمي الفذ «جاك ويلش» عـلى الرغم من مهامـه الهائلة كمدير تنفيذي، كان يقضي جلّ وقته في عمليات التوظيف واختيار المسؤولين. بقي أن نعـلم أن ويلش هو رجل أعـمال ومدير تنفيذي ومؤلف ومهندس كيميائي أميركي. كان المدير التنفيذي لشركة جنرال إلكتريك العـملاقة مابين عام 1981 و2001 ولدى تقاعده حصل من الشركة على مكافأة نهاية الخدمة التي وصل مبلغـها إلى 417 مليون دولار، وهي الأعـلى من نوعها في تاريخ الأعمال.

من أهم الصفات المطلوبة لتوظيف شخص ما: الكفاءة والخبرة؛ مستوى الأداء؛ التكيـّف مع بيئة العـمل؛ وقد تكون الميزة الأهم استعـداده للسباحة عـكس التيار في بعـض الأحيان!

لذا، مهما كانت الإستراتيجيات احترافية ومتطورة، والاستثمارات هائلة وضخمة، فكل هذا سيتبخر هباء منثوراً إذا لم يتم اختيار قيادة صحيحة لديها الأمانة والكفاءة لتعمل مع فريق قوي ومتمكن. ختاماً، فأفضل طريقة لهدم منظمة ناجحة هو تعيين مسؤول فاشل!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن