من دفتر الوطن

بصمة..

| عصام داري

يقولون إن على الإنسان أن يترك بصمة في الحياة حتى لا تكون حياته مجرد دخول من باب والخروج من باب آخر. لكن، كيف نترك بصمة؟وهل الأمر بهذه السهولة؟

الحكومة قررت إعطاء مئات آلاف الموظفين فرصة البصمة المرجوة وذلك عن طريق إحداث بصمة لإثبات حضوره إلى مكان العمل، أو الوظيفة.

بهذه الطريقة تكون الحكومة وفرت للمواطن فرصتين يومياً لترك بصمة، وبعد ذلك هو وشطارته، فقد يسجل الكثير من البصمات في تاريخه المديد!

ولأنها سيرة وانفتحت، فموضوع البصمة جاء لمعرفة من يلتزم بدوامه من الموظفين، ومن لا يلتزم، وقبل استيراد هذا الاختراع كانت الإدارات تعتمد على دفتر الحضور، مع أنه لم يكن مجدياً تماماً، ومع ذلك فقد كشفت فضائح مدوية إن كان من خلال دفتر التوقيع، أو من خلال جهاز البصمة.

من الفضائح التي ظهرت أذكر أن مديراً بعد تسلمه مهام منصبه طلب جدولاً بأسماء موظفي مديريته، فاكتشف أن هناك موظفين يتقاضون رواتبهم وتعويضاتهم وهم في إحدى الدول الخليجية، وأن ممثلاً معروفاً يتقاضى رواتب من المديرية نفسها وهو لم يداوم ولو لحظة واحدة في وظيفته، وعندما هدده المدير بفضحه واسترداد الأموال التي تقاضاها قدم استقالته فوراً.

أما بعد حضور جهاز البصمة الموقر فكانت الفضائح أكبر، فالذي حدث أن الموظف يأتي إلى مكان عمله صباحاً ومن ثم يغادر أحياناً إلى الربوة لتناول إفطاره مع أصدقائه، ومن ثم يلعب معهم الطرنيب أو التريكس أو طاولة الزهر، وفي ساعة متأخرة من عصر ذلك اليوم يعود إلى مركز الوظيفة لوضع بصمته الكريمة، وبهذه الحال قد يأخذ جائزة الموظف المثالي لأنه نظرياً بقي في عمله أكثر من ثماني ساعات!

وهناك من يذهب إلى عمل يقوم به، إما في دكان يبيع فيها المدافئ والبواري، أو يذهب إلى مكان قريب من السفارات والقنصليات لأن سعادته يعمل»عرض حالجي» فيكتب الطلبات الخاصة بالهجرة أو السفر إلى هذه الدولة أو تلك، وهناك شخص آخر كان يعمل سائق مدحلة في المحافظة لتزفيت الشوارع بالزفت المزفت.

كل ما أوردته سابقاً حدث في بعض المؤسسات الإعلامية، لكن لم أذكر لا المؤسسات ولا الأسماء حفاظاً على السرية التامة كي لا أسبب أي إحراج لأبطالها.

سأختم بحادثتين طريفتين حدثتا في الإذاعة:الأولى أن أحد المعدين كلف بإجراء مقابلة مع مسؤول صغير نسبياً، وقد ذهب إليه عدة مرات وكان يعده ويخلف المرة تلو الأخرى، فما كان منه إلا أن فتح آلة التسجيل وصار يطرح الأسئلة ويجيب عليها بتغيير صوته.

بعد عمليات التسجيل والمونتاج أذيع اللقاء وكان رئيس دائرته يسمع ويرقب بحذر، ثم استدعاه وسأله:صوت من الذي نسمعه من الإذاعة؟فقال له:المسؤول الفلاني، فأغلق الباب بالمفتاح وقال له:أنت الذي تسأل.. وأنت الذي يجيب.

حاول النكران لكنه اعترف وقال له كل كلمة مدروسة ولا يستطيع المسؤول تكذيبي بأي حال من الأحوال.

وصحفي آخر أجرى مقابلات بالمناسبة نفسها من الذين قال إنه أجرى تلك اللقاءات معهم نذكر الفنان الراحل فهد بلان مع أنه كان في الجزائر، وشخصاً آخر كان له دور في إحدى المنظمات الشعبية في المحافظات، واكتشف الناس أنه انتقل إلى رحمة اللـه منذ سنتين.

كل ذلك لا يعني أن صحافتنا سيئة بالكامل، بل يوجد بعض السيئين لا أكثر، لكن المهم أنهم تركوا بصمة!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن