ثقافة وفن

هل حق المبدع العربي مصان؟ … نصير شمه لـ«الوطن»: الملكية الفكرية هي نتاج حضاري للشعوب

| محمد قاسم الساس

تعرف الملكية الفكرية بأنها «إبداعات العقل الإنساني، مثل الاختراعات؛ والأعمال الأدبية والفنية؛ والتصاميم؛ والابتكارات المستخدمة في مجال التجارة بما فيها من رموز وأسماء وصور».

وتنقسم الملكية الفكرية عموماً إلى ثلاث فئات: براءات الاختراع للابتكارات والاختراعات، وحقوق النشر للأعمال الأدبية والفنية، والعلامات التجارية للشعارات والأسماء التجارية.

وتعني الملكية الفكرية، في جوهرها، أن يكون بمقدور المخترعين والمبدعين ورجال الأعمال ملكية أفكارهم وأن يكون لديهم الحق الحصري في استخدامها لاكتساب المال نتيجة جهدهم وعملهم.

حيث يتم استخدام الأساليب المناسبة لكل حق حسب طبيعته، إن كان علامة تجارية، أو براءة اختراع، أو حق مؤلف، أو اسم موقع إلكتروني على الإنترنت. وبالنسبة لباقي حقوق الملكية الفكرية، فإن الأساليب مختلفة لحمايتها، مثل التسجيل ومراقبة التعديات وغير ذلك.

ومن دون حماية فعّالة للملكية الفكرية، لا يوجد ما يمنع ذوي النيات السيئة من سرقة التصميمات أو الاختراعات أو البرمجيات أو الأسرار التجارية. فحماية حقوق الملكية الفكرية هو الأساس في تحقيق التنمية بكل المجالات، كما أن المجتمعات والدول التي تراعي وتشرّع قوانين لحماية حقوق الملكية الفكرية تشجعهم بيئة الإبداع لدى الشباب ومجتمع الأعمال لكونها تحمي حقوقهم الفكرية وبالتالي تشجعهم على الإبداع والاختراع حيث يكونون مطمئنين أن هنالك منظومة كاملة تحمي ابتكاراتهم واختراعاتهم وسيكون من المجزي لهم الاستمرار بالتطوير والاختراع. وعندها سيكون للشركات التقنية أو المصنّعة مصلحة بالاستفادة من هذه الاختراعات والابتكارات من خلال تراخيص أو شراء هذه الحقوق من أصحابها. هذه الحقوق يجب أن تكون محفوظة ومصانة للوصول إلى مجتمع أو بيئة منتجة ومبدعة، فكيف يمكن حماية الملكية الفكرية؟

«الوطن» التقت المؤلف الموسيقي والفنان العراقي «نصير شمه»، الذي رأى أن الملكية الفكرية هي نتاج حضاري للشعوب لحفظ حقوق الناس من كل الاختصاصات، بما فيها الفكرة في بنك الأفكار، قائلاً: «لكوني مؤلفاً موسيقياً، ولدي أسطوانات ومؤلفات وكتب موسيقية كثيرة، قمت بتسجيلها في جمعية المؤلفين «الساسيم» في باريس، وهي أعلى منظومة لحماية الملكية الفكرية في العالم، حيث تعد فرنسا من الدول الأولى التي تبنت هذا الموضوع، سعياً منها لحماية حقوق المبدعين ككل، بما فيهم الفنان، من خلال حماية حقوق ملكية أعماله الفنية، من بث وعرض أو نسخ أو تداول. وهذا بمنزلة عرف يعيش منه الفنان، حيث يستطيع من خلاله أن يتفرغ لعمله، وينتج المزيد من أعماله، ويعد بمنزلة ضمان حقيقي لحقوقه المعنوية والمادية مستقبلاً، حيث تكون حقوقه من خلالها مصانة».

وأضاف: «كما سجلت أعمالي في جمعية المؤلفين في روما، وسعيت من خلال ذلك لحماية حقوق الملكية الفكرية لأعمالي الفنية، وخاصة أننا –كفنانين- محكومون بالعمر، حيث سنصل إلى وقت معين نتوقف فيه عن العمل، إضافة إلى أن الظروف المعيشية التي نعيشها في بلداننا العربية، أصبحت ضاغطة علينا وشاقة، وكما تعلم لا يوجد لدينا أي ضمان تقاعدي أو شيخوخة، ولا يزال حق الورثة في أعمالنا من بعدنا غير مصان».

وتابع: «أضف إلى ذلك عدم وجود نقابات مهنية تحمينا، حيث تجدها بمعظمها هشة وفاشلة، وهي بحد ذاتها تحتاج إلى دعم، وهذا الأمر ليس له علاقة بالنقيب، إنما بالمنظومة ككل، حيث تجد غياباً شبه كامل للمنظومة التي تحكم مسألة ضمان الحقوق بشكل عام في وطننا العربي -كلها توجد فيها مشكلة- فما بالك بمسألة حماية حقوق الملكية الفكرية، وعدم سن قوانين لذلك، وتطبيقها ودعمها من الدولة.

ولا نزال نعاني في وطننا العربي من هذه المشكلة لغاية الآن. ولذلك تجد حياة الفنان العربي ليست كأقرانه في الغرب، وهذا ما دفع بالفنان الغربي للتفرد والإبداع، وجعل الفنان العربي يتراجع، حيث تجده يركض وراء من يدعمه من جهات ومؤسسات حكومية وخاصة وشركات إنتاج، والتي بمعظمها استغلت هذا الجانب، وأكلت الحصة الأكبر من الأتعاب والعائدات الفنية، ورمت بالفتات للفنان. أقولها وبكل أسف نأخذ كامل حقوقنا الفكرية في الخارج فقط».

وحول الطرق المتبعة لحماية حقوق الملكية الفكرية، أوضح «شمه»: «أن أخطر مشكلة يواجهها المبدعون العرب هي غياب الوعي لديهم بأهمية حفظ وتسجيل حقوق الملكية الفكرية لضمان حقوقهم مستقبلاً. كما يواجه المبدعون العرب تحديات تتمثل بصعوبة الوصول إلى الشركات العالمية ذات العلاقة بإبداعاتهم، وذلك لعرض هذه الإبداعات عليهم، والدخول بشراكات ما يمثّل استفادة للطرفين».

وأضاف: «جرت العادة في المسارح والحفلات العالمية، أن أملأ الاستمارة الخاصة بالحفل الذي سأحييه، قبل البدء فيه، وذلك من خلال تدوين البرنامج الفني الذي سأقدمه، ومن خلال ذكر أسماء القطع الموسيقية ونوطها، وأقوم بإمضاء الاستمارة، ليتم إرسالها إلى «الساسيم» بغية الحصول على الحقوق المتوجبة نتيجة ذلك. وطبعاً هذه المسألة تحتاج متابعة مستمرة ودائمة من إدارة الفنان، حيث تجد أن كثيراً من الفنانين قد أضاعوا على أنفسهم وعلى أبنائهم الحقوق، وخاصة أن «الساسيم» لا يعود لأكثر من ثلاث سنوات نحو الوراء. كما أصبحنا اليوم نشاهد كيف يتم تطبيق موضوع الحماية الفكرية على المتاجر الموسيقية الإلكترونية كافة بما فيها موقع يوتيوب، وكذلك الحال على منصات التواصل الاجتماعي، حيث يتم حذف أو حجب أي فيديو لا تتوافر فيه حقوق الملكية أو التنازل لعرضه على المنصة، وهذا أمرٌ إيجابي بكل تأكيد».

وعن الحلول التي يجب اتباعها في وطننا العربي لضمان حماية حقوق الملكية الفكرية، أجاب «شمه»: «التوعية في هذا الشق هي الأساس، وذلك عبر إيجاد برامج تلفزيونية واذاعية قصيرة جداً للمساهمة في ذلك، وإيجاد مواقع إلكترونية مختصة لتسجيل وجدولة النتاج الفكري والفني. وأن نسهم جميعنا في نشر الوعي بأهمية تسجيل حقوق الملكية الفكرية عبر عقد الندوات والدورات العامة لنشر الوعي للمبتدئين وأخرى متخصصة للخبراء بهذا المجال، ونعمل باستمرار لمواكبة التقنيات المختلفة».

وأضاف: «صحيح أنه يوجد لدينا المجمع العربي للموسيقا، ولكن يحتاج للتفعيل، وخاصة أنه كان من الممكن أن يكون دوره عظيماً في خدمة الموسيقيين في حال تفعيله، إلى جانب تفعيل جميع مراكز حماية الحقوق الملكية الفكرية بما فيها الكفاية، في كل من سورية ومصر والعراق وسواها من الدول العربية، وذلك من خلال إقرار ذلك من الدولة لتأمين شريحة واسعة من المجتمع، عبر سن قوانين بغية ذلك وتطبيقها، وتجعل منها برنامج عمل يكون فعالاً، ما ينعكس ذلك إيجابياً على وضع المبدع العربي بشكلٍ خاص، وعلى الدول بشكلٍ عام. وقتها تأكد أنه في حال توافرت الأرضية الصحيحة والمناخ المناسب، المقرونين بالعمل الحثيث، سينقلب الوضع مئة وثمانين درجة في صالح سمعة دولنا وشعوبنا العربية، ونتاجنا الإبداعي، وفي قيمة المبدع والفنان العربي ومكانته على حد سواء».

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن