ما أن وصلنا الحسكة حتى بدت ملامح طقوس عيد الفصح متشحة بالآلام والأوجاع لكنها في الوقت نفسه مملوءة بالأمل والروحانية.. الكنائس افتقدت استقبال المهنئين واقتصرت على الصلوات، والمشهد لم يحصل حتى طوال سنوات الحرب رغم تهديد القذائف والتفجيرات وكل أشكال الحروب التي استهدفت سورية والشعب السوري.
لكنه اليوم أمر واقع في الحسكة بسبب المحتل الأميركي وميليشيا قسد المرتهنة له..
عشنا واعتدنا على أعيادنا الكثيرة الوطنية والدينية والاجتماعية.. وبتعدد الأعياد وتنوعها، كل مناسبات الأعياد تدعو إلى المحبة والتماسك الاجتماعي ومساعدة الفقراء والمحتاجين وفعل الخير الذي لا يعرف الفرق بين الأديان. وكنا في سنوات عمرنا وإلى وقت ليس ببعيد لا نعرف بين زملائنا وأصدقائنا من مسلم ومن مسيحي، وثمة شعور ترسخ في ثقافتنا بأن أي عيد هو مناسبة لمشاركة الجميع في هذا العيد… حياتنا واحدة ونتنفس الهواء من جسد واحد.. فعند المسلمين هناك أعياد الفطر والأضحى والمولد النبوي وغيرها. وعند المسيحيين عيد الفصح وعيد الغطاس وعيد القيامة وأحد الشعانين وغيرها.. وتتشابه الاحتفالات بالأعياد بيننا وتتكامل اللوحة الوطنية والحضارية في زيارات العائلات وصناعة كعك العيد وإقامة الموائد العامرة. وثمة وقائع وقصص عن الكثير من المسلمين الذين يشاركون المسيحيين في صوم العذراء مريم عن طريق تناول وجبات مشتركة ويتبادلون التهاني والزيارات.. وهذه عادات ومظاهر تعكس الروابط الإنسانية والحضارية والوطنية التي لن يعفو عليها الزمن وإنما يوماً بعد يوم تعززها الأسرة السورية الكبيرة الواحدة.
اليوم في عيد الفصح تتسع وتيرة القصف التركي على عدد من قرى الحسكة.. ويستمر حصار ميليشيا قسد لمدينة الحسكة لأكثر من ١٦ يوماً دون وجود أي مؤشرات عن حلول مع تفاقم لأزمات الخبز والمازوت والمواد الغذائية والخضار وصهاريج المياه وتوقف عمل المولدات.. يأتي العيد وكليات الجامعة مغلقة منذ شباط الماضي.. لكن رغم كل ما حدث ويحدث فإن الرهان مستمر بأن الحسكة كما هي سورية كلها لا تقبل القسمة..! وغارق في الوهم والتوهم من يعتقد أن الحسكة يمكن أن تقبل في يوم ما القسمة أو ترضى بتغيِّير جلدها أو أن ترتضي بغير سورية حضنا وهوية.. ولا حياة فيها إلا لأبنائها المخلصين أمّا الواهمون والحالمون والمرتهنون فعليهم حفظ جدول الضرب وقبل ذلك قراءة التاريخ والانتظار طويلاً فربما يستغرق ذلك كل عمرهم.