اقتصاد

حين صار الفيل «يعلّي»

| فراس القاضي

تحتاج العقلية المنتجة لتبرير التجاوزات التي نراها كل يوم، إلى دروس في البدهيات، من قبيل أنه مهما كان جذع شجرتك غليظاً، فإنك لن تستطيع أن تخفي خلفه فيلاً، وكل ما عليك فعله، وبمنتهى البساطة، أن تقول: هناك فيل.

الدرس الثاني، الذي وللمصادفة البحتة، يتعلق بالأول، وأصبح مؤخراً من ضمن البدهيات أيضاً، هو أنه إن كنتَ مصراً على محاولة إخفاء الفيل خلف الشجرة، خشية من أن نعرف الفيل، فلا داعٍ لهذا الجهد المهدور، لأن كل السوريين، بدؤوا بتربية حسهم الفكاهي في المرحلة الابتدائية مع طرفة (الفيل اللي بيطير بس ما بيعلي)، أي إن الألفة بيننا وبين الفيلة قديمة، ونعرفهم بأسمائهم الثلاثية.

إضافة إلى ما سبق، تحتاج ذات العقلية أيضاً إلى دروس حول نتائج الإصرار على تجاهل أثر كسر البديهيات، وخاصة إن كانت تُكسر خلال التعامل مع ملايين الناس الذين من الممكن أن يصادف ويكون بينهم أشخاص أذكياء قليلاً ليس بالإمكان خداعهم أو استغفالهم بهذه الخفة، لأن نتائجها خطيرة، ومنها: فقدان الثقة، الخذلان، عدم الاكتراث بالإنجازات الحقيقية وعدم تصديقها، انتظار أي خطأ مهم كان صغيراً لانتقاده بأكثر مما يستحق، كراهية من يخطئ ومن لا يخطئ طالما أنه يمثل ذات المؤسسة، وغيرها الكثير من المشاعر وردود الأفعال التي تتراكم يوماً بعد يوم.

وإن تحدثنا بجدية أكبر قليلاً، رغم أن الجدية في غير محلها تتحول إلى خلل فكري، واستخفاف إضافي بالعقول، لكن سنحاول.. بإمكاننا أن نجمع الكثير من التصريحات الحكومية الغرائبية وغير المنطقية، وأن نعلق عليها ونسخر منها على مواقع التواصل لأيام وأسابيع، وخلال هذه الأيام والأسابيع ستزداد ذخيرتنا منها بالتأكيد، وسيصير لدينا مادة جديدة للتندر ويستمر الكرنفال، لكن صدقاً، اتضح أن الأمر ليس مجرد مقطع مجتزأ هنا، أو إجابة متسرعة وهفوة هناك، الأمر أكبر بكثير، إذ إن فحوى هذه التصريحات بالعمق، يؤكد بشكل قاطع، أن مُطلقيها كما يقول أشقاؤنا المصريون: (فـ حتة تانية خالص)، في سورية أخرى غير التي نحن فيها، وهذا أمر يدعو إلى الخوف لا إلى السخرية أو الضحك، لأن قراراتهم التي من المفترض أنها تصدر للجميع، لا تناسب الجميع، بل حصراً سكان سورية الأخرى التي يعيشون فيها.

ما سبق يأخذنا إلى مكان آخر، آخر بكل ما للكلمة من معنى، إلى ما سنبدو غير عقلانيين لو طرحناه أو ناقشناه حتى بيننا وبين أنفسنا؛ والذي فحواه السؤال التالي: هل من الممكن أن يكذب الإنسان وهو صادق؟ أن يتعامل مع الناس من دون أن يعلم أنه منفصل ومنفصم عن الواقع، بل ويظن أنهم هم المصابون بالانفصام؟

وكما في عالم الأزياء، هناك أيضاً (نيوكولكشن) في عالم التصريحات، وجديدنا لموسم 2022، والذي صار يُعبر عنه بلا خجل ولا وجل، هو ضيق أصحاب التصريحات المرّيخية باعتراض الناس على هذه التصريحات ووصفهم بالـ (نقاقين)! إضافة إلى الإكثار من استخدام مصطلح (ذوي الدخل المحدود)، وهو مؤشر يُنبئ – تاريخياً – بكارثة قادمة على هذه الشريحة، وأعتقد أنه لا داع للتذكير بمرحلة الإكثار من ذكر الطبقة الوسطى، وما حل بها اليوم.

شخصياً، وعلى اعتبار أنني من الطبقة المذكورة، سأنتبه أكثر على (لغاليغي) في قادم الأيام، لأنها الوحيدة التي ليس بالإمكان إدراجها على البطاقة الذكية.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن