اقتصادالأخبار البارزة

«الوطن» تسأل خبراء حول المكتب المركزي للإحصاء … حميدان: من يشكك بدقة الرقم والعمل الإحصائي فليعطنا البديل

| جلنار العلي

تتكرر طروحات خبراء الاقتصاد والباحثين في حقله حول المكتب المركزي للإحصاء، وقضية غياب البيانات الإحصائية الصادرة عنه، حيث إن آخر رقم إحصائي صدر عن المكتب يعود إلى عام 2019، متسائلين عن كيفية اقتراح حلول عملية لمشكلاتٍ اقتصادية وتقديم أبحاث تطبيقية في ظل غياب هذه البيانات. وتتمدد مشكلة المكتب إلى الصحفيين الذين لا يتركون فرصة إلا ويتحدثون فيها عن امتناع المكتب عن إعطائهم أي معلومة من الممكن البناء عليها إلا فيما ندر.

نسبة خطأ 5-10 بالمئة لا يفسد للبحث قضية!

التقت «الوطن» مدير المكتب المركزي للإحصاء عدنان حميدان، الذي أكد أنه نتيجة الحرب وخروج الكثير من المناطق عن سيطرة الدولة، عانى العمل الإحصائي بعض الصعوبات من حيث الوصول إلى جميع المحافظات السورية، لذا فإن أي عملية إحصائية وخاصة التي يستخدم فيها التقدير تكون مشوبة بخطأ قد تتراوح نسبته بين 5-10 بالمئة، لافتاً إلى أن هامش الخطأ أو الاختلاف بالدقة لا يغير شيئاً من الرؤية الاقتصادية أو الدراسة طالما أن اتجاه الرقم معروف، معتبراً أن هذه النسبة «لا تفسد للبحث قضية» حيث تبقى هذه البيانات صالحة للدراسات والأبحاث.

مضيفاً: إن «من يشكك بجودة ودقة الرقم والعمل الإحصائي فليعطنا البديل، فكيف يتم تقدير أن هذا الرقم جيد أم لا؟ وخاصة أنه صادر عن جهة رسمية فهو حتماً يمتاز بالدقة»، مشيراً إلى أن معظم البيانات الإحصائية الصادرة عن المكتب تعتمدها المنظمات الخارجية.

كتاب إحصائي جديد قريباً

واستغرب حميدان من مصطلح «غياب البيانات» وخاصة بوجود إصدار سنوي للكتاب الإحصائي، لم ينشر على الموقع لكونه تقادم قليلاً خلال الفترة الأخيرة، ولكن كان بإمكان أي جهة ترغب في الاطلاع والبحث أن تتقدم بطلب إلى المكتب وتحصل على البيانات، مضيفاً: «لا يجوز حصر عمل الأكاديميين بوجود رقم يستند إليه فقط، فالأكاديمي مهمته أن يقدم أيضاً رؤية مستقبلية وطريقة في إدارة الاقتصاد وأفكاراً معينة».

وأعلن أنه بعد عطلة عيد الفطر سيتم إصدار الكتاب الإحصائي السنوي للعام الحالي بحلة جديدة حيث تم تعديل الكثير من البيانات الواردة فيه والتي تتعلق بالعام 2020، وسيرسل إلى جميع الجهات المعنية، كما سيكون بمتناول الجميع حتى طلاب الدراسات العليا وطلاب الجامعات.

قلة الاختصاصات

وأشار حميدان إلى بعض الصعوبات الأخرى التي تعترض عمل المكتب مثل قلة الكفاءات ومحدودية الطاقات ضمن ملاك المكتب الذي يتم العمل فيه بطاقة 40-50 بالمئة من الملاك الأساسي، إضافة إلى أن القليل منهم فقط مختص بالإحصاء على الرغم من أن النسبة يجب ألا تقل عن 50 بالمئة إلى جانب الاختصاصات الأخرى.

وحول الاعتراضات الحاصلة على بلاغ رئاسة مجلس الوزراء بأن «المكتب المركزي للإحصاء هو الجهة الوحيدة التي تقوم بجميع الأعمال والمسوح الإحصائية، ولا يحق لأي جهة أخرى على أراض سورية أن تجمع البيانات أو تجري المسوحات من دون العودة للمكتب»، أوضح حميدان أن هذا البلاغ جاء بسبب الفوضى بالعمل الإحصائي والمتاجرة بالبيانات من خلال قيام بعض الجهات بمسوحات تضر بأمن الدولة، وخاصة أن الرقم الإحصائي قد يستثمر شرّاً من الدول الأخرى، مشيراً إلى أنه وفقاً لهذا البلاغ يستطيع المكتب مقاضاة أي مؤسسة أو منظمة تخالفه.

أرقامٌ غير متطابقة

تواصلت «الوطن» مع الباحثة الدكتورة رشا سيروب التي طرحت الموضوع مؤخراً على صفحتها الشخصية على موقع فيس بوك، فقالت إن الرقم الإحصائي في سورية مشكلة وليس حلاً، لكونه يعاني من عدم الكفاية والشمول وغياب المشاركة والشفافية، وهذا ما يمكن لحظه في تصريحات المسؤولين – في حال تم ذكر رقم ما- حيث إنها غالباً ما تكون أرقاماً غير متطابقة.

وترى سيروب أن انخفاض جودة البيانات وعدم توافرها بالوقت المناسب يعني وضع سياسات وسيناريوهات خاطئة وغير منطقية وبالتالي فإن توافر البيانات ودقتها وحداثتها يسهم في ضمان توفير المؤشرات الإحصائية اللازمة لرسم السياسات وصنع القرار وتقييم الأداء الحكومي في أي دولة.

قرارات الحكومة لا تبنى على أرقام

وأشارت سيروب إلى أن غياب الرقم الإحصائي «المصدَّر وطنيّاً» يؤدي إلى انتشار بيانات ومعلومات صادرة عن جهاتٍ خارجية يقول عنها بعض المسؤولين إنها «ذات أغراض سياسية»، وقد تلقى قبولاً شعبياً حتى وإن كانت غير صحيحة، معتبرة أن المكتب شريك في الأخطاء الناتجة عن عدم صوابية القرارات الحكومية التي يفترض أن تستند إلى أرقام ومعطيات إحصائية، على اعتباره الجهة المسؤولة عن إعداد وإصدار الرقم الإحصائي.

وفي هذا السياق، ترى سيروب أنه من الواضح أن القرارات الحكومية لا تبنى على أرقامٍ وبيانات، وهذا الأمر يظهر جليّاً في الموازنات الحكومية التي لا تذكر أي معدلات مستهدفة للمؤشرات الاقتصادية، وبالتالي يشعر المواطن أنه حقل تجارب عند إصدار أي قرار.

بعض التجارب الحكومية

وتابعت: «وهذا ما برز مؤخراً أيضاً عند تطبيق ما يسمى «توجيه الدعم لمستحقيه» وقبل ذلك عند عدم نجاح سياسة «منحة المتعطلين» في آذار 2020، حيث أعلنت وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل حينها «عدم توافر البيانات الكافية والشاملة لدى الوزارة لواقع التشغيل في سورية»، هذه الأمور خلقت نوعاً من التذمر الشعبي والفوضى في الحياة اليومية، وبذلك لا يمكن لوم المكتب المركزي للإحصاء فقط على هذه الأخطاء علماً أنه الذراع الإحصائية لرئاسة مجلس الوزراء».

وأشارت إلى أنه خلال سنوات الحرب كان دور المكتب شبه مجمّد ولم يضطلع بمهامه المنصوص عليها قانوناً، وهنا لا نتحدث عن عدم التطابق والشمول في البيانات بل عن غيابها عدة سنوات متتالية (2012-2018)، لتعود وتصدر لكن بشكل منقوص وغير دقيق، وهذا ما تم لحظه عند إجراء أبحاث عن الاقتصاد السوري حيث تم اختصار عدد كبير من الجداول والبيانات التي كانت تصدر في المجموعات الإحصائية ما قبل الحرب.

حجج غير محقة

من جانبه شدد مدير المكتب المركزي للإحصاء الأسبق والأستاذ في كلية الاقتصاد بجامعة دمشق الدكتور شفيق عربش على ضرورة خروج المكتب عن وصاية رئاسة مجلس الوزراء التي تجيّر هذه الوصاية للجنة الاقتصادية، فلا يجوز نشر أي بيان أو معلومة إحصائية إلا بعد أخذ موافقتها، معتبراً أنه لا أهمية لبيانات لم تنشر.

واعتبر عربش في تصريح لـ«الوطن» أن كل الحجج التي تقول إن خروج الكثير من المناطق عن سيطرة الدولة منع إنجاز العمل الاقتصادي على المستوى الجغرافي، هي حجج ليست محقّة إلى هذا الحد، بل شماعة يعلّق عليها التقصير، لأن الرقم الإحصائي ليس بالضرورة أن يكون نتيجة عمل ميداني، إذ توجد مجموعة من البيانات لدى الجهات الرسمية قد تعطي أرقاماً إحصائية مقاربة إلى أبعد حد.

وتابع موضحاً: «مثلاً إذا تم النظر إلى أعداد الطلاب المتقدمين لامتحانات شهادة التعليم الأساسي حالياً وإجراء استقراء أساسي لهذه البيانات في سنوات ما قبل الحرب، لكان بالإمكان التوصل إلى حجم السكان الحالي، إضافة إلى أن أرقام كميات المازوت والخبز والسكر والرز الموزعة بالسعر المدعوم على مستوى كل محافظة، تعطي مؤشراً مهماً لحجم السكان أيضاً».

وأشار إلى أن غياب هذه الاستراتيجيات في التفكير أدى إلى احتواء جميع المجموعات الإحصائية التي صدرت ما بعد عام 2011 على بيانات تقديرية لا يستند إليها بل إنها جزافية ولا تقارب الواقع إلى حد كبير.

هو المنفى الوظيفي

ووصف عربش مديريات الإحصاء في الجهات العامة بالمنفى الوظيفي، فعندما يتم الغضب من موظف ما يتم نقله إلى مديرية الإحصاء في الوزارة التابع لها كعقوبة له أو إلى المكتب المركزي للإحصاء، مطلقاً على المركز اسم «غوانتانامو الحكومة»، حيث يندر وجود موظف يحمل إجازة في الإحصاء، على الرغم من المسابقات التي كان يتقدم إليها أشخاص من أصحاب الاختصاص.

واعتبر عربش أنه لا يكفي وجود البيان الصحيح فقط لكون الرقم الإحصائي أبكم وأصم ولا بد من إنطاقه من خلال تحليله من قارئين جيدين للوصول إلى قرارات تخدم الأغلبية من المواطنين وإلا فسيبقى المواطن في حيز التجريب.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن