ادعى أنه أراد أوروبا مستقلة لكن أفعاله ناقضت أقواله … وتغيير سياسته تجاه دمشق مرتبط بالسياسات الأميركية … نعمة لـ«الوطن»: ماكرون يعي أن انتخابه كان نتيجة رفض الأغلبية للوبان
| منذر عيد
أكد رئيس تحرير مجلة إفريقيا وآسيا «أفريك ازي» ماجد نعمة، أن الجولة الثانية من الانتخابات الرئاسية الفرنسية التي أسفرت كما كان متوقعاً عن إعادة التجديد لعهدة رئاسية ثانية وأخيرة لإمانويل ماكرون، لن تغير شيئاً بالنسبة إلى التوجهات الليبرالية المفرطة والأطلسية والأوروبية التي طبعت سياسته منذ عام 2017.
وفي تصريح لـ«الوطن» أمس الاثنين، استبعد نعمة حدوث تغيير على المدى القصير في سياسية ماكرون تجاه سورية والمنطقة، مبيناً أن ذلك مرتبط بشخصية وزير الخارجية الجديد وتطور العلاقات بين فرنسا وروسيا وكذلك تطور العلاقات بين سورية والدول العربية خاصة الخليجية منها.
وقال: «عودة سورية إلى الجامعة العربية قد يكون عاملاً مساعداً على تطبيع العلاقات بين البلدين. ماكرون وعد قبل ٢٠١٧ بتغيير موقفه من سورية ولم يفعل، على كل حال، وطالما أن الموقف الأوروبي والفرنسي بطبيعة الحال ما زال مرتبطاً بالولايات المتحدة وطالما أن الولايات المتحدة لم تغير حتى الآن من سياستها تجاه سورية، فلن يكون هناك تغيير حقيقي في فرنسا».
وتابع: «بخلاف العهدة الرئاسية السابقة، يواجه ماكرون هذه المرة تحديات جيو إستراتيجية واقتصادية واجتماعية هائلة قد ترغمه على التعامل معها بتواضع وواقعية، فصحيح أنه «انتصر» بنسبة 58 بالمئة من الأصوات، ولكنه في الواقع خسر أكثر من مليوني صوت بالنسبة إلى انتخابات 2017 في حين ربحت منافسته مارين لوبان أكثر من مليوني صوت».
وأضاف: علاوة على ذلك، فإن حوالي ثلث الناخبين المسجلين على القوائم الانتخابية امتنعوا عن التصويت، وهي أدنى نسبة امتناع منذ قيام الجمهورية الخامسة عام 1958، يضاف إلى ذلك فإن ثلاثة ملايين ناخب وضعوا ورقة بيضاء أو ورقة ملغاة في صناديق الاقتراع، وهذا ما دفع بزعيم حزب «فرنسا الأبية» التقدمي، جان لوك ميلانشون، إلى القول فور إعلان النتائج، إن ماكرون هو الرئيس المنتخب الأسوأ تمثيلاً في تاريخ الجمهورية الخامسة».
وأوضح نعمة أن ماكرون يعي تماماً أن انتخابه كان نتيجة لرفض أغلبية الفرنسيين انتخاب مرشحة التجمع الوطني، وريث الجبهة الوطنية المعروفة بعنصريتها ومعاداتها الشرسة لاستقلال الجزائر وتواطئها مع الأيديولوجية النازية والفاشية وبشكل عام للسياسة الديغولية.
وقال: «صحيح أن مارين لوبن خففت، منذ أن تسلمت قيادة الجبهة من والدها جان ماري لوبن، من غلوائها ومن عدائها للمهاجرين وللمسلمين، وتبنت مواقف جريئة في السياسة الخارجية كالمطالبة بالخروج من القيادة العسكرية للحلف الأطلسي، وإصلاح الاتحاد الأوروبي وإعادة فتح السفارة الفرنسية في دمشق، إلا أن هذا لم يكف لتحسين صورتها أمام الرأي العام وخاصة أن وسائل الإعلام المهيمنة تعمل بلا هوادة على شيطنتها وهذا ما يحول دون وصولها إلى السلطة».
وبيّن نعمة أن تكتيك الشيطنة هذا لم ينجح بالكامل إذ إن الناخبين الفرنسيين، وخاصة أولئك المتحدرين من الطبقات الشعبية المهمشة، والذين خاب أملهم بأحزاب اليسار التقليدية، التي تتبنى العولمة والليبرالية، أصبحوا يشكلون القاعدة الانتخابية الرئيسية لهذا التيار إلى حد إعطائه 41 بالمئة من الأصوات، وأنه للمقارنة والتذكير فإن اليمين الذي يسمى متطرفاً كان في بداية الجمهورية الخامسة لا يشكل أكثر من 2 بالمئة من الناخبين!
وأكد نعمة أن نتائج الانتخابات الرئاسية الفرنسية تعكس في الحقيقة رفضاً متزايداً للنظام التمثيلي الحالي الذي فقد مضمونه الديمقراطي، كما تعكس تمسك الشعوب الأوروبية بسيادتها ورفضها للخضوع لإملاءات الاتحاد الأوروبي الليبرالية والتكنوقراطية.
وقال: «من المتوقع، إذا ما لم يتم تدارك هذا التوجه، أن نشهد مزيداً من الانقسامات بين الشعوب الأوروبية والاتحاد الأوروبي، المنضوي عسكرياً تحت قيادة الحلف الأطلسي وسياسياً واقتصادياً ومالياً تحت إملاءات الولايات المتحدة، ولعل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد ليس سوى أول الغيث».
وأوضح نعمة أن ماكرون يدعي أنه يريد أوروبا مستقلة، ولكن أفعاله تناقض أقواله بدليل انخراطه في كل الحروب الأميركية وآخرها الحرب الأوكرانية، قائلاً: إذا نظرنا إلى حصيلة سياسته في العهدة الأولى والتي تميزت بحدة الأزمات الاجتماعية والتعليمية والصحية والمالية والسياسية، وكذلك فشله في إفريقيا والمنطقة العربية والمحيط الهادئ، فلا أعتقد أنه سيغير في العمق هذه السياسة، لذلك أتوقع مزيداً من الانتفاضات الاجتماعية، على شاكلة انتفاضة السترات الصفراء، وخاصة أنه مصر على تعديل قانون التقاعد، وعلى التخصيص المتزايد للتعليم الجامعي وللقطاع الصحي، ناهيك عن تحميل دافع الضرائب الفرنسي فاتورة الديون التي تراكمت في عهدته الأولى والتي بلغت رقماً خيالياً 600 مليار يورو»!
ونوه نعمة بأن النظام الانتخابي الفرنسي يفرز إجمالاً أكثرية نيابية لكل رئيس جديد، مضيفاً «لا أعتقد أنه ستكون هناك مفاجآت تذكر في نتائج الانتخابات التشريعية المقرر إجراؤها في حزيران المقبل».
وختم «المفاجآت الكبرى قد تأتي من الشارع وخاصة مع عودة التضخم والهبوط المتزايد في القدرة الشرائية ناهيك الانخراط الخطير لفرنسا في الانجـرار إلى فــخ الحرب الأوكرانية».