قضايا وآراء

جيش الاحتلال يستدعي كتائب من الاحتياط

| تحسين الحلبي

كان من المؤكد أن يفرض الصراع العربي الصهيوني على الكيان الإسرائيلي منذ الخمسينيات من القرن الماضي مجابهة قدرات مقاومة من نوعين الأول من الجيوش النظامية العربية المحيطة به وفي مقدمها، الجيشان العربي السوري والمصري، والنوع الثاني من المقاومة الفدائية الفلسطينية وخاصة في الستينيات بعد عدوان حزيران عام 1967 واحتلال أراض في الجولان وسيناء والضفة الغربية وقطاع غزة، وبقي الجيش العربي السوري منذ ذلك الوقت حتى الآن هو والمقاومة المسلحة الفلسطينية ثم اللبنانية في ساحة المجابهة.

لقد ظهر لقوات الاحتلال بعد كل المواجهات العسكرية وأشكال العدوان التي شنتها بعد حرب تشرين عام 1973 أنها تلقت ضربات عسكرية كبيرة وكثيرة على أرض لبنان بمشاركة شكلين للمقاومة من الجيش النظامي السوري ومن كل فصائل المقاومة اللبنانية والفلسطينية بعد اجتياحها له عام 1982 وكذلك في داخل الأراضي الفلسطينية منذ انتفاضة الحجارة، ولم تستطع قوة تل أبيب ولا واشنطن والغرب كله إيقاف هذين الشكلين من العمليات العسكرية اللذين توجا انتصاراتهما بتحرير جنوب لبنان عام 2000 وتحرير قطاع غزة عام 2005، وبفضل هذه المكاسب تمكنت سورية والمقاومة من فرض أربع جبهات حرب على قوات الاحتلال الأولى من الجيش النظامي السوري على جبهة الجولان ومن جبهات المقاومة من جنوب لبنان ومن قطاع غزة ومن داخل جبهة العدو الداخلية في الضفة الغربية والقدس والجليل، ولم تستطع قوات الاحتلال إضعاف هذه الجبهات رغم كل ما مرت به سورية في السنوات الماضية والأراضي الفلسطينية المحتلة وقطاع غزة طوال العقدين الماضيين، وتمكنت عمليات المقاومة على مختلف الجبهات من إرهاق الجيش النظامي الإسرائيلي والتسبب بتآكل قدراته كجيش نظامي تدرب وتخصص على مواجهة الجيوش النظامية، وهذا ما كشفه أمير بوحبوط المحلل العسكري في موقع الأنباء الإسرائيلي بالعبرية «والا» في 24 نيسان الجاري حين ذكر أن قيادة قوات الاحتلال أصدرت قراراً باستدعاء ست كتائب من جنود قوات الاحتياط لكي يحلوا محل كتائب أخرى في الجيش النظامي تقرر تجديد تدريباتها على الحروب النظامية بعد أن فقدت جزءاً من كفاءاتها العسكرية المعدة لهذا النوع من الحروب أمام الجيوش النظامية، وستستغرق تدريباتها ومناوراتها النظامية ثلاثين يوماً بعد انتهاء شهر رمضان وما جرى فيه من مواجهات مع المقاومة الفلسطينية في الداخل.

يلاحظ كل متتبع لتطور أشكال العدوان الإسرائيلي منذ حزيران 1967 أن احتلاله لأراض عربية فرض على قواته الانتشار على مساحات أراض ومدن وقرى كثيرة داخل فلسطين وفي جوار حدودها مع سورية ولبنان بشكل خاص، وأصبح عدد القوة البشرية العسكرية التي يتطلبها احتلاله أقل بكثير من المطلوب أمام أربع جبهات تضم إحداها الضفة الغربية والقدس وأراضي فلسطين المحتلة عام 1948 حيث يوجد ما يزيد على خمسة ملايين من الفلسطينيين ويضاف لهم جبهة قطاع غزة من مليونين والمسلحة بصواريخ ومسيرات وعشرات الآلاف من المسلحين، ويبدو أن هذا النقص في القوى البشرية العسكرية الإسرائيلية هو أحد الأسباب التي جعلت الحكومات الإسرائيلية توزع السلاح على المستوطنين في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية والقدس منذ أكثر من عشرين سنة، وهي الأسباب نفسها التي دفعت رئيس الحكومة الحالي نفتالي بينيت، إلى الإعلان قبل عشرة أيام عن توزيع السلاح على كل من يرغب من الإسرائيليين حتى لو لم يكونوا من المستوطنين في أراضي الضفة الغربية، ودعاهم إلى استخدام السلاح في أي مكان وقبل أن تصل القوات النظامية العسكرية إلى المكان، وبالمقابل شكك عدد من المحللين العسكريين في الصحف العبرية من نجاح هذه الخطة بل رأى فيها البعض خطراً لأنها ستتيح للفلسطينيين في الضفة الغربية اختطاف السلاح من المدنيين الذين يحملونه في مختلف الأماكن واستخدامه ضد الجيش.

ما يمكن استنتاجه من هذا الواقع الذي يواجهه المشروع الصهيوني العدواني هو أن كل الاتفاقات التي فرضتها الولايات المتحدة لحماية وجوده منذ عام 1979 وعام 1993، لم تحقق له الحماية بل تآكلت قدراته العسكرية أمام هذه الجبهات من سورية إلى المقاومة الفلسطينية واللبنانية ومن يصطف معهم من حلفاء في إيران والعراق وبقية الدول العربية، وبفضل صمود الشعب الفلسطيني داخل الأراضي المحتلة أصبحت قوات الاحتلال محاصرة من كل جانب بل لم ينفعها بناء الجدار الفاصل بين الأراضي المحتلة عام 1948 وتلك المحتلة عام 1967 ولم تعد أمام المستوطنين خيارات آمنة للبقاء رغم مرور 74 عاماً على نكبة الشعب الفلسطيني واحتلال وطنه وبهذا الشكل أصبح الزمن يعمل لمصلحة استعادة الحقوق المغتصبة.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن