قضايا وآراء

بدأ العد العكسي لانتهاء الصوم السياسي

| أحمد ضيف الله

خلقت الانتخابات النيابية العراقية المبكرة التي جرت في الـ10 من تشرين الأول 2021، حالة من عدم التوازن والانقسام، تسببت في اختلال العملية السياسية، ما ترتب عنها بالنتيجة انسداد سياسي محكم، إذ ما زالت عجلة العملية السياسية متوقفة عند محطة اختيار رئيس جديد للجمهورية بعد أكثر من ستة أشهر من إجراء الانتخابات، دون وجود أي ملامح أو أجواء مُبشرة، تشير إلى إمكانية تجاوز تلك المحطة، ومن ثم المضي نحو تشكيل حكومة جديدة.

المجلس النيابي الذي يبلغ عدد نوابه 329 نائباً، والذي أخفق في ثلاث جلسات لتمرير انتخاب رئيس للجمهورية، توزع نوابه على ثلاث جبهات غير متساوية، الأولى: تحالف «إنقاذ وطن» أو التحالف الثلاثي، المكون من التيار الصدري، تحالف السيادة، والحزب الديمقراطي الكردستاني، ويمثلون نحو 180 نائباً. والثانية: «الإطار التنسيقي»، المكون من ائتلاف دولة القانون، تحالف الفتح، عصائب أهل الحق، قوى الدولة الوطنية، النصر، العقد الوطني، وقوى شيعية صغيرة، ولديهم نحو 83 نائباً. والثالثة: مكونة من حزب الاتحاد الوطني الكردستاني الذي يمتلك 18 نائباً، وتحالف «عزم» المكون من 12 نائباً المنشق من «تحالف السيادة»، وكلاهما على تفاهم مع الإطار التنسيقي، إضافة إلى عدد من النواب المستقلين، وأحزاب جديدة مثل «إشراقة كانون» و«تحالف من أجل الشعب» وحركتي امتداد والجيل الجديد، يقدر عددهم بنحو 35 نائباً.

التوزع النيابي هذا، يتيح لكلٍ من تحالف «إنقاذ وطن» و«الإطار التنسيقي» تأمين الثلث المعطل لانعقاد أي جلسة نيابية. وفي الوقت ذاته، يُصعب على أي منهما، إمكانية حشد أغلبية ثلثي النواب لتأمين النصاب المطلوب لجلسة انتخاب مرشح رئاسة الجمهورية.

في الـ31 من آذار 2022، أعلن مقتدى الصدر في تغريدة له، «هأنذا أعطي «الثلث المُعطّل» فرصة للتفاوض مع جميع الكتل بلا استثناء لتشكيل حكومة أغلبية وطنية من دون الكتلة الصدرية من أول يوم في شهر رمضان المبارك وإلى التاسع من شهر شوال المعظم»، آمراً في بيان مقتضب صادر عن مكتبه في الـ2 من نيسان الجاري «جميع متحدثي التيار الصدري بالصمت الإعلامي طوال شهر رمضان».

الصوم السياسي والصمت الإعلامي الذي حدده مقتدى الصدر بـ40 يوماً لتشكيل حكومة جديدة من دونه، بمنح خصومه في «الإطار التنسيقي» فرصة التفاوض مع جميع الكتل السياسية بما لديهم من آراء وأفكار ومشاريع لكي يجمعوا النصاب اللازم لتمرير مرشحهم لرئاسة الجمهورية، وتسمية المكلف لرئاسة الوزراء، زاد من تعقيد المشهد السياسي وشل عملية تشكيل الحكومة، وكان بمنزلة تحد لهم بتشكيل حكومة بعيداً عنه.

العد العكسي لصوم مقتدى الصدر السياسي الذي ينتهي بنهاية عطلة عيد الفطر، بدأ، ولا توجد أي مؤشرات على حصول أي انفراج سياسي، فجميع الأبواب ما زالت مغلقة نتيجة لتمسك كل طرف بمواقفه. فالحزبان الكرديان الرئيسيان مازالا على خلافهما بشأن المرشح لمنصب رئيس الجمهورية، حيث يتمسك الحزب الديمقراطي الكردستاني بمرشحه وزير داخلية إقليم كردستان ريبر أحمد خالد بارزاني، والاتحاد الوطني الكردستاني بمرشحه برهم صالح رئيس الجمهورية الحالي. كما لم تفض حالة الجدل بين التوجه إلى تشكيل «حكومة أغلبية وطنية» بحسب ما يدعو إليه مقتدى الصدر، أو «حكومة توافقية» بحسب ما يتمنى الإطار التنسيقي إلى أي توافقات، فكل منهما يسير باتجاه معاكس، وكل طرف متمسك بمشروعه وأهدافه وعناده، لكسر إرادة الآخر. فحتى اللحظة لا بوادر للانفراج ولا وجود لكتلة أو تحالف قادر على عبور الأزمة بثلثين يضمن من خلالهما تمرير مرشح رئاسة الجمهورية وتسمية المكلف لرئاسة الوزراء.

حالة الشلل والانسداد السياسي وصلت إلى الذروة، واضعة العملية السياسية أمام إشكاليتين، سياسية، متمثلة في ايقاف مقتدى الصدر المفاوضات مع قوى الإطار التنسيقي، ودستورية، متمثلة في عدم الإيفاء بالتوقيتات الدستورية لانتخاب رئيس الجمهورية وتكليف مرشح رئاسة الوزراء في تشكيل حكومته، والإشكاليتان بالمحصلة تعبران عن أزمة الثقة ما بين مكونات العملية السياسية في العراق.

المشهد السياسي العراقي بعد مضي أكثر من ستة أشهر على نتائج الانتخابات النيابية يراوح في مكانه من دون انفراجات أو حلول، متأرجحاً ما بين كتلة تكثف مفاوضاتها علها تصل إلى مخرج لحالة الانسداد الحاصلة، وأخرى التزمت الصوم والصمت السياسي.

صورة الوضع في العراق قاتمة، والوضع السياسي يتجه نحو المزيد من التدهور، فمعادلات المحاصصة والتوافق التي حكمت العراق، وتجرع سمها العراقيون منذ سقوط نظام صدام حسين بالاحتلال الأميركي عام 2003، بدأت اليوم تتزعزع وتتصدع، دافعة إلى الواجهة حالة من العناد السياسي وكسر العظم، تهدد أمن العراق وتوازنه المجتمعي، قد تستمر لأشهر إضافية أخرى.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن