على الرغم من أن الديمقراطيين في أميركا هم عادة أميل إلى استخدام الحل العسكري في المسائل الدولية، كما حصل في حرب كوريا ١٩٥٠ مع الرئيس الديمقراطي هاري ترومان وفي حرب فيتنام عام ١٩٦٥ مع الرئيس الديمقراطي ليندون جونسون، إلا أنهم في حرب أوكرانيا اختاروا استخدام القوة الناعمة ضد روسيا، على اعتبار أن أي استخدام للقوة العسكرية هنا سيؤدي إلى حرب عالمية.
وربما يكون من المبكر الحديث عما إذا كانت هذه العقوبات التي فرضتها أميركا وحلفاؤها الأوروبيون على روسيا ستأتي بالنتائج المرجوة منها، كما أنه من المبكر التنبؤ بما ستحققه هذه العقوبات في الأشهر القليلة القادمة، لكن هناك الكثير من الدلائل على أن هذه الحرب والعقوبات التي أتت معها، قد تستمر لفترة طويلة وربما يكون من الحكمة بمكان أن يكون لدى الغرب أهداف محددة وإستراتيجية واضحة للخروج من هذه الحرب الاقتصادية.
استخدم الأميركيون القوة الناعمة كسلاح ضغط منذ الحرب العالمية الثانية ضد الكثير من دول العالم كجنوب إفريقيا والاتحاد السوفييتي وكوبا وإيران وأخيراً سورية وروسيا، وفرض العقوبات الاقتصادية على دولة ما عملية سهلة تساعد على إرضاء الداخل، وبذلك تكون الدولة قد «عملت شيئاً مفيدا» بعيداً عن التدخل العسكري.
لكن هل أفلحت العقوبات الاقتصادية مع الحرب الدعائية والدبلوماسية في الضغط على الطرف الآخر؟
تاريخياً لم تفلح هذه القوى الناعمة في تغيير أنظمة أو التأثير على تصرفاتها، قد تكون نجاحات العقوبات الاقتصادية قليلة جداً فمثلا ساهمت العقوبات الاقتصادية إلى جانب الكثير من العوامل الأخرى إلى تغيير نظام الفصل العنصري في جنوب إفريقيا، في حين لم تنصع كل من كوبا وفنزويلا وكوريا الشمالية للمطالب الأميركية على الرغم من أن هذه البلدان مازالت ترسخ تحت العقوبات الأميركية منذ عقود.
فكيف إذا كانت الدولة المعاقبة دولة قوية وكبيرة مثل روسيا خاصة أن الكثير من دول العالم وعلى رأسها الدول الأوروبية مازالت مترددة في فرض العقوبات على الغاز الروسي بسبب اعتمادها الكلي عليه؟
لقد صرح وزير الطاقة النمساوي قبل أيام أن بلاده لن تفرض عقوبات على الغاز الروسي لأن ذلك سيضر ببلاده، وألمانيا -أكبر اقتصاد في أوروبا- ترفض حتى الآن فرض عقوبات على الغاز الروسي، كل هذا يقلل من تأثير العقوبات الأميركية، هذا بالإضافة إلى أن كل من المكسيك وجنوب إفريقيا والسعودية والصين والباكستان والهند مازالت صديقة لروسيا.
يرى البعض أن العقوبات الاقتصادية بديل للحرب أما البعض الآخر فيرى أنها قد تكون مقدمة للحرب كما حدث بعد أن فرضت أميركا عقوبات على اليابان قبيل اعتداءات بيرل هاربر التي أدت إلى دخول أميركا الحرب العالمية الثانية.
أثبتت العقوبات الاقتصادية فشلها فهي لم تحقق أي تغيير سوى أنها أثرت على حياة الشعوب، وأدت العقوبات الغربية على روسيا إلى فقدان أكثر من ٢٠٠ ألف شخص لوظائفهم في موسكو، غالبيتهم يعملون في فروع لشركات أوروبية أو أميركية في موسكو.
يبدو أن القوة الناعمة الأميركية ليست أرحم بكثير من قوة سلاحها فهي في كلا الحالتين تعمل على زيادة معاناة الشعوب، وربما تكون سورية هي الدولة التي ذاقت مرَّ القوتين الأميركيتين، العسكرية والناعمة، في الوقت نفسه.