عندما تتحول الرواية إلى فيلم سينمائي … لينا هويان الحسن لـ«الوطن»: الكلمات أقوى من الصورة في عالم الأدب
| محمد قاسم الساس
تحول الإبداع الأدبي الروائي إلى أعمال سينمائية ظاهرة مستمرة في التزايد، وخاصة في الآونة الأخيرة، وأصبحت حاضرة بشكلٍ سنوي، بعد أن ظلت العلاقة بين الدراما والأدب فاترة لفترة طويلة، حيث أثبتت الرواية العربية مكانتها في العالم في الـ100 سنة التي مضت، وألهمت السينما. كما أن عدداً من كتّاب الروايات ألهموا مخرجي الأفلام السينمائية، فاستند هؤلاء إلى رواياتهم ليقدموا أفلاماً تركت بصمتها في تاريخ السينما.
بين القراءة والسينما
جدلٌ كبيرٌ يدور دائماً بين محبّي القراءة وعشّاق السينما، حول الأعمال الروائيّة التي يتمّ تحويلها إلى أفلام سينمائية. فالطرف الأوّل، أي محبو القراءة مؤمنون بأن الرواية تسمح عبر صفحاتها بالمزيد والمزيد من التفاصيل، ما يعطي الحبكة قدراً أكبر من الإمتاع، كما أن الرواية على صورتها المكتوبة، تمنح الخيال فرصةً لأن يسبح مُتخيّلاً شخصيّاتها ومسارح الأحداث فيها. فهناك اقتناعٌ كبير لديهم أن الروايات إذا جُسدت على الشاشة سوف تفقد سحرها، فدائماً ما يكون سرد الكاتب للأحداث، هو أكثر متعة، حيث يطلق الكاتب العنان لمخيلة القارئ ليتخيل الأحداث بشكل أكثر إبداعاً، وأعلى تحليقاً من سماء الشاشة.
أمّا الطرف الثاني أي أنصار السينما فيردّون، بأن الأفلام تساعد المشاهد على الاندماج مع الأحداث، وأنّ ما يحدث في عمليّة صناعة الفيلم، من تفاصيل تتعلّق بالمؤثرات والإضاءة والموسيقا وغيرها، يخدم الرواية، ويجعلها أقرب للمتلقّي، وخاصة أن بعض الأفلام حققت نجاحاً كبيراً مماثلاً لتلك الروايات المقتبسة عنها، وربما فاقتها شهرة.
الروايات والنجاح
وعند تحويل الروايات التي حققت أعظم النجاحات، إلى أفلام سينمائية ينجح القليل منها، فقط إذا بقيت مُتمسِكةً بالنص الأصلي للقصة والشخصيات، ولا تفقد روعة وجمال الرواية. في حين يفشل الكثير منها، ولا ينجح في إرضاء الجمهور.
ولا يستطيع القارئ الذي أراد الوصول إلى روحية الرواية، عبر هذه الأفلام التي تخرج عن النص الأصلي للرواية، وتفشل في نقل الرسالة العامة من الكِتاب إلى المشاهدين.
وعلى الرغم من كون كثير من منتجي الأعمال السينمائية يحاولون الاتكاء على نجاح العمل الروائي، وانتقاء بعض الروايات التي حصدت نسب قراءة عالية، فإن ذلك لا يعني في كثير من الأحيان ملاءمة النص الروائي لأجواء السينما، وهذه إشكالية أخرى تدفع للسؤال: لماذا يتم اختيار رواية دون أخرى؟ وهل هناك رواية تصلح للتمثيل السينمائي ولا تصلح رواية ثانية؟
رضا الروائي
والإشكالية الأكبر عندما يكون الروائي نفسه غير راضٍ عن الصورة التي ظهر عليها عمله، بعد أن أصبح منتجاً مصوّراً، فلا القراء تقبلوا الأمر ولا الروائي نفسه، ما يجعل الفائدة تصب في مصلحة الربح التجاري لشركات الإنتاج السينمائي في معظم الأحيان، وهو ما قد يصيب العمل الروائي في مقتل. وهذا ما حصل مع فيلم (الحب في زمن الكوليرا)، والمأخوذ عن رواية الأديب الكولومبي غابرييل غارسيا ماركيز التي تحمل الاسم نفسه، وأخرجه مايك نوبل، حيث تعرض الفيلم لانتقادات واسعة من النقاد والإعلام. ووصف بأنه فيلم «منافس جدي على لقب أسوأ فيلم صنع من رواية على الإطلاق».
إلا أن ذلك لا يعني إغفال الروايات التي حققت نجاحاً باهراً حين تحولت إلى أعمال سينمائية، ما أضاف إلى نجاح الرواية ذاتها. وهذا ما حصل مع فيلم (المريض الإنجليزي) المأخوذة عن رواية مايكل أونداتجي التي تحمل الاسم نفسه، وأخرجه أنتوني منغيلا. ونال الفيلم إشادات من النقاد والإعلام. وفاز بجوائز عدة.
الحرية للقارئ
«الوطن» التقت الروائية «لينا هويان الحسن»، التي حبذت بترك الحرية أمام القارئ، بقولها: «ظل ماركيز يرفض فكرة تحويل «مئة عام من العزلة» إلى فيلم سينمائي، رغم العرض الذي قدمه له أنطوني كوين- عرض عليه مليون دولار آنذاك- وكان مبرر رفضه: «لأنني لا أريد أن أجد الكولونيل أورليانو وقد تحول إلى صورة لأنطوني كوين على أغلفة الرواية».
وأضافت: «أنا كروائية أنطلق شخصياً من منطق اعتنقه أستاذ الرواية العالمية ماركيز، وهو التمسك بخياره بما يتعلق بترك الحرية أمام القارئ، وهو يتخيل أبطال رواياته المفضلة، ولكن ذلك ظل أمراً مؤقتاً وحسب، فماركيز خضع للإغراء المادي، ولعل فيلم «الحب في زمن الكوليرا» من أكثر المشاريع رداءة، عندما تحولت إلى فيلم، رغم أن صوت «شاكيرا» رافق الموسيقا التصويرية للفيلم».
وتابعت: إن الأمثلة لا تكاد تحصى على إخفاق السينما في نقل روعة أو فرادة النص الروائي، رغم أنه شهد أفلاماً ناجحة بكل المقاييس نُقلت عن الروايات، مثل: ذهب مع الريح والمريض الإنكليزي.
وأوضحت: «بدأت من تجربة ماركيز الثرية لأطرح مثالاً قوياً عن صعوبة الاقتباس ومخاطرها، لكن ذلك لا يلغي الفكرة أبداً. أذكر من الروايات العالمية التي تحولت إلى فيلم دون مستواها، رواية «العطر»، فشلت السينما بتسريب رائحة العطر، نعم يمكن القول: إن الكلمات أقوى من الصورة في عالم الأدب، لكن، لا غنى عن الشاشة فذلك يؤمن انتشاراً يتوق له الكاتب ويطلبه، لأنه بذلك يجذب فئات مختلفة من القرّاء».
وختمت لينا الحسن قائلة: «بالنسبة لتجربتي المتواضعة فقد تمّ التوقيع على أكثر من عقد لتحويل رواياتي لأعمال درامية، وهنالك مشروع رواية (نازك خانم) هو الأقرب إلى التنفيذ، سأتقبل النتيجة، لأن الدراما أكثر انتشاراً من الكتاب، كما ستلعب الظروف الإنتاجية دورها في مستوى نجاح المشروع. إنها محاولة ضرورية للكاتب، تجربة لابد من خوضها، بروح منفتحة».
وأخيراً يمكننا القول: إن بعضنا يفضل قراءة الرواية والانتقال المباشر بين صفحات الكتب، وبعضنا الآخر يفضل مشاهدة الأفلام والمسلسلات لتمرير الوقت. ليبقى أمامنا خياران إما القراءة وإما المشاهدة، ولا بأس أن كان كلاهما معاً.