ثقافة وفن

نجمة وقضاء وقدر

| إسماعيل مروة

بين الحرية والتدخل في الحرية تجري محاصرة الإنسان في أدق تفاصيله، فنحن قادرون على التدخل في حياة الإنسان، وتحديد خياراته، وربما نحاسبه في الخيارات التي حددناها له سلفاً، وناقشناه، وصلبناه، وذلك في الوقت الذي نتابع أدق تفاصيله، فنختار ما نشاء، ونحكم على المشيئة والسريرة، متجاهلين أن أمراً ما، أو أموراً عديدة تتحكم في مسيرة واحدنا الإنسانية! ومتجاهلين أن الإنسان قلب، ولم يسمَّ القلب قلباً إلا لتقلبه في الآراء والحياة، والإنسان لا يعدّ إنساناً إن لم يكن مستفيداً من تجاربه اليومية واللحظية! وحتى يكون الإنسان جديراً بلقب الإنسان فمن المفترض أن تظهر للعلن نتائج خبراته ومعرفته وحياته الإنسانية والمهنية، وعندما تظهر يجب أن نحترمها ونعدّها نتيجة طبيعية لتطوره الإنساني ونضجه الحياتي، ولا يفيدنا ذلك الإنسان الذي يسير خطا مستقيماً من بدايته وحتى نهايته دون أن يحيد عنه مهما كان هذا الخط إيجابياً، وأذهب أبعد من ذلك بكثير، فنحن على الأعم الأغلب قد نشارك هذا الإنسان في آرائه، وتجد صدى لدينا، ولكننا نجبن عند مواجهتها، ولكن طبيعة الظروف والشخصية هي التي تفرض نفسها بشكل كبير.

أقول هذا الكلام لأن الحديث اليوم في المجالس – حتى غير الفنية- وفي منصات التواصل الاجتماعي، وفي اليوتيوب ترك كل ما نعيشه من مآس ومشكلات ومعاناة وأخذ بمتابعة عدد من المشاهير يريد أن يقوّم حياة كل منهم، وأن يعيد ترتيبها، وأن يحدد القناعات بصورة فظة، وأقف عند عدد منها يظهر كمية الفراغ الروحي والفكري الذي نعيشه، فالنجمة سلاف فواخرجي انفصلت عن زوجها الفنان وائل رمضان.. لماذا انفصلت؟ أليس من الأفضل الحفاظ على الأسرة؟ من وراء هذا الانفصال؟ الفنانة مؤمنة أم ملحدة؟ تؤمن بالآخرة أم لا تؤمن؟

ما علاقة انفصالها عن حياتها الزوجية بالإيمان؟ حتى إن أحد الفضلاء الذين لا يعتنون بالفن سألني وهو خارج من صلاة الجمعة: لماذا أظهرت عدم إيمانها؟

وحين لم أجب، تابع: كل ذلك ترافق مع انفصالها! ومع أنني لا أحب تناول هذه المفاصل في حياة الناس، إلا أنني وجدتني أقضي وقتاً وأنا أقلّب الأمر على وجوهه فالسيدة بغاية اللباقة والاحترام أعلنت ذاك الخبر، وشكرت زوجها على الحياة المشتركة، وربما أوحت بأنها السبب وراء الانفصال، ما دفع بعضهم للسؤال: ماذا فعلت؟

وحين رأيت حوارها المشار إليه، فهي تتحدث عن سيرورة الحياة، والإيمان والقدر، وبالسن والتجربة، وبعدم وجود الجمال المطلق، وادعت بأنها لا تشعر بنفسها أنها الأجمل، وهي ترى أن الحساب للناس في الدنيا، فماذا في الأمر؟ أين الإلحاد؟

وعادت نغمة جديدة: الانفصال للسبب الفلاني، ويقف وراءه فلان أو فلانة! وماذا يعني الناس هذا الأمر؟ هل سيجعلها تقدم لنا الشخصيات بطرائق مختلفة؟!

حياة الناس خاصة بهم وآراؤهم هي حرية شخصية ليس من حق أحد أن يتدخل بها، ما يعنينا من المدرس عطاؤه وأبوته، وما يعنينا من القاضي عدله، وما يعنينا من الطبيب طبه وقَسَمه، وما يعنينا من المسؤول نزاهته، وما يعنينا من الفنان أداؤه واحترامه، وما عدا ذلك هو حرية شخصية..

ويتابعون النجم أيمن زيدان في زيارات عادية، ويخترعون له فضائح فكرية، ويشتمون ذاك الفنان وقد خرج عن ثوابته وأدى أدواراً من أجل المال!

هلا احترمنا إنسانية الإنسان، وجعلنا حياته ملكاً شخصياً له؟!

هلا نظرنا إلى الفكر بأنه ملك شخصي يحب أو لا يحب؟

إن كنا نحب الفن ونتابعه، فلننظر إلى الفنان نظرة إنسانية فكرية لا ملائكية، وإن كنا لا نحب فلندع عالماً لا نحبه ولا ننشغل به عن طاعتنا إن كنا ندعي أننا صالحون.

الحياة لعبة جميلة، وتسلية راقية، فلنعشها كذلك، ولنترك الآخرين وما اختاروه في الحياة التي اختاروها.

في كل أمر نحتاج إلى حوار وإلى نقاش، وإلى احترام رأي الآخر، وبعد هذه الحرب التي استمرت على أرضنا أكثر من أحد عشر عاماً نحتاج إلى مراجعة لترتيب حياتنا نحن، ولسنا بحاجة لترتيب حياة الآخرين، فإذا ما رأى كل واحد منا أنه على صواب، وأن الآخر على خطأ، فإن الحرب لن تنتهي، وإن الأخلاق الاجتماعية إلى مزيد من التحجر والسلبية، والقادم سيكون أكثر سوءاً من الحرب وما جرّت من ويلات على سورية وإنسانها!

الحياة خيار الإصلاح والنجاة فردياً إيجابياً وعلى كل منا أن ينجو بإصلاح نفسه إيجاباً، وعند ذلك سنجد أن المجتمع كله سار نحو الصلاح، ولا أقصد الصلاح اللاهوتي، وإنما الصلاح المجتمعي الذي يستطيع أن ينهض بمجتمع يؤمن بالفردية في إطار الجمعية، ويبتعد عن ثقافة القطيع في أي أمر من أموره، حتى في لباس شخص في كوكب آخر!

ولو كان المجتمع فاضلاً- كما يرسمون- أما وجد هؤلاء في مسؤولين وتجار ورجال دين وعلماء تناقضاً يتحدثون عنه؟! لماذا يتركون ذاك لله، ولا ينظرون من مفهوم القلب والأنسنة الذي بدأت فيه الحديث؟

ما أجمل أن يكون الإنسان واضحاً منسجماً مع فكره، يحيا كما يشاء له فكره وعقله وقلبه، ليمضي حياته في سعادة ورضا! كل سعيد بكوكبه وما يقوم به، يحصد نجاحاته، ويدفع أثمان خياراته بنفسه..!

ولا يسأل حميم حميماً.. أم إننا نسينا المقدس؟!

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن