قضايا وآراء

الحكومات ومخاطر الدين العام في الأزمات

| الدكتور قحطان السيوفي

يعيش العالم اليوم واقعاً محفوفاً بالخطر. ويواجه حالة من عدم اليقين، وتأتي الحرب الأوكرانية لتؤدي إلى تراكم مجموعة من المخاطر الجديدة، إضافة إلى المخاطر الموجودة بالفعل والتي نجمت عن جائحة كورونا.

الاقتصاد العالمي يواجه مجموعة من التحديات التي نادراً ما شهدها العالم بارتفاع معدل التضخم العالمي وزيادة مستويات الديون ما عمق الفجوة بين الدول الغنية والفقيرة، وأصبح ذلك في موضع الصدارة بالنسبة لقائمة المخاطر التي يتسم بها عام 2022.

الحرب الأوكرانية أججت التضخم العالمي، وكانت آثارها الاقتصادية المباشرة ملموسة بقوة، وتمثلت في صدمة العرض التي تستدعي إلى الذاكرة صدمات النفط في حقبة السبعينيات من القرن الماضي، باستثناء أن هذه تنطوي على ارتفاع حاد في أسعار المواد الغذائية.

كما أدت الاضطرابات الناجمة عن الحرب إلى مزيد من الأضرار بالروابط التجارية، وانعكست تداعيات هذا الأمر على كاهل الدول النامية والفقراء.

اليوم، يمثل الدين العام ما يقرب من 40 بالمئة من مجموع الدين العالمي، وهي أعلى نسبة بلغها على مدار نحو ستة عقود وأصبح نحو 60 بالمئة من البلدان منخفضة الدخل إما في حالة مديونية حرجة بالفعل وإما معرضة لمخاطر تهدد ببلوغها، هناك مخاطر أن تؤدي المستويات المرتفعة غير المسبوقة من الديون، إلى اتساع فروق أسعار الفائدة في الدول الأضعف اقتصادياً ما يرفع تكاليف اقتراضها، وخاصة في الدول التي لديها ديون ذات آجال استحقاق قصيرة وفي الأسواق الصاعدة والدول النامية منخفضة الدخل، تكون قيود التمويل أشد، وتواجه نسب دين مرتفعة بسبب الهبوط الكبير في إجمالي الناتج المحلي الأسمى، لكن طفرة الدين بمستوياته المرتفعة تعمل على تضخيم مواطن الضعف، وتؤدي عادة إلى إضعاف قدرة الحكومات على دعم التعافي.

في عديد من الدول النامية، من المتوقع أن تتدهور الموارد المالية الحكومية مع اشتداد الضغط من أجل زيادة دعم المواد الغذائية والوقود وبينما تركز الأسواق على الديون السيادية، تواجه الشركات الروسية احتمال التوقف عن سداد ديونها، وإلى يومنا هذا، لا تزال التداعيات المالية لذلك محدودة وتزداد الأوضاع المالية العالمية ضيقا في الوقت الراهن مع إقدام البنوك المركزية الكبرى على رفع أسعار الفائدة لاحتواء التضخم، والوضع في الدول النامية مثير للقلق، وتواجه الاقتصادات الصاعدة، ومنخفضة الدخل، خسائر دائمة في إجمالي الناتج المحلي والإيرادات.

يتمثل التحدي الجوهري في التوصل إلى المزيج الصحيح من السياسات المالية والنقدية في بيئة يسودها الدين المرتفع والتضخم المتزايد ودفعت أسعار الفائدة المتدنية الحكومات إلى الإقراض، وأصبحت مسألة أن تتخذ الحكومات تدابير كافية لضمان استمرارية قدرتها على تحمل الدين العام، مسألة مهمة من مسائل السياسة العامة، فهل تقوم الدول بما يكفي لخفض العجز الذي تسجله استجابة لزيادة نسب الدين إلى إجمالي الناتج المحلي؟

تصاعد التوترات الجغرافية السياسية بسبب الحرب في أوكرانيا، من شأنه تقويض ثقة المستثمرين بقدرة حكومات الأسواق الصاعدة على سداد ديونها.

حذرت «لجنة الأمم المتحدة الاقتصادية والاجتماعية لغرب آسيا – إسكوا» من الزيادة غير المسبوقة للدين العام في المنطقة العربية وأن نصف الديون العامة يقع على كاهل البلدان العربية متوسطة الدخل.

ونظرا للآفاق المشوبة بعدم اليقين ومواطن الضعف المتزايدة، فمن الضروري تحقيق التوازن الملائم بين مرونة السياسات وسرعة التكيف مع خطط مالية موثوقة ومستدامة، وهذه الإستراتيجية من شأنها الحد من مواطن التعرض لمخاطر الديون وتيسير عمل البنوك المركزية لاحتواء التضخم، وسيكون للدعم المالي الموجه دور حيوي في حماية محدودي الدخل ويمكن للحكومات تعزيز ثقة المستثمرين في أوضاعها المالية من خلال وضع خطط موثوقة لتقليص العجز.

ومع تصاعد مخاطر الديون السيادية، على الحكومات تحقيق التوازن الصحيح في مواجهة الدين المرتفع والتضخم ولا بد من اتخاذ منهج تعاوني عالمي للوصول إلى تسوية منظمة لمشكلات الدين.

ختاماً، جاءت الحرب الأوكرانية لتضيف مزيداً من المخاطر إلى مستويات غير مسبوقة من الدين العام، في وقت لا تزال فيه الجائحة تفرض ضغوطاً على كثير من الحكومات، ما يستدعي أن تباشر السلطات بتنفيذ الإصلاحات، بما فيها إصلاحات الحوكمة، لتحسين شفافية الديون وتعزيز سياسات إدارة الدين والحد من المخاطر مع ضرورة تجنب تمرير ديون لا يمكن تحملها إلى أجيال قادمة.

ستكون هناك حاجة إلى التعاون الدولي للحد من الضغوط خلال الفترة المقبلة، ولتخفيف أعباء الديون عن أكثر البلدان عرضة للمخاطر، وتعزيز قدرة الحكومات على تحمل مخاطر الدين في الأزمات.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن