نشر في منتصف حزيران الماضي خبر عن اجتماع لمجلس الوزراء تقرر فيه التعاقد على استيراد 500 باص نقل داخلي، وبدا لافتاً في الخبر، أن الباصات ستصل تباعاً خلال ستة أشهر.
بديهي أن نعد الخبر، ليس مفرحاً وحسب بل مبهج، ولاسيما أن النقل العام كان آنذاك مأزوماً إلى حد لا يطاق.
لقد قيل في صعاب النقل الداخلي، كل ما يمكن أن يقال. وبالفعل لم يعد لدى موصفي المعاناة ما يضيفونه، من صفات محزنة.
وفي بداية العام الحالي، نشر خبر جديد عن الواقعة، أكد أهمية التعاقد على استيراد 500 باص نقل داخلي وتم الإفصاح هذه المرة عن بلد المنشأ –إيران- وإن الباصات ستصل خلال ستة أشهر.
وفي مقابلة مع الفضائية السورية في 3/1/2022 أكد رئيس مجلس الوزراء، أن باصات النقل الداخلي في سورية العامة والخاصة تعرضت للتدمير إبان الحرب على سورية وأن الدولة تعاقدت على خمسمئة باص من إيران وأن هذه الباصات ستصل خلال العام الحالي. وأن هناك 100 باص من الصين هدية، أي ستمئة باص، وهذا ممتاز قياساً إلى الواقع الراهن، ففي دمشق، حيث المعاناة المذهلة، يسير الباص بـ 160 راكباً بدلاً من 70، في مشهد مخيف جداً إذ تبرز عناقيد بشرية من الأبواب الأمامية والخلفية. ويقدر النقص في عدد الباصات في دمشق بـ: (310) باصات على الأقل.. وكان لافتاً في المقابلة ذاتها دعوة رئيس الوزراء المستثمرين للاستثمار في النقل العام.
ومن الواضح أنه إلى جانب الآثار النفسية المؤلمة والاجتماعية المؤذية جداً لازدحام لا يطاق، ثمة خسائر اقتصادية كبيرة، لعل أهمها عجز العاملين عن الانتقال بسبب غلاء تعرفة الميكروباصات و«التاكسيات» إلى الضواحي والريف القريب.
كنت أتمنى لو أن الحكومة أوضحت سبب تأخر توريد الباصات الإيرانية.
لكن الأهم من ذلك، أستغرب انتفاء أي مبادرة اجتماعية للمساهمة في الحل، كتأسيس شركة مساهمة مشتركة، حكومية وخاصة للنقل العام أو إحداث جمعيات تعاونية للنقل بين الأرياف والمدن، أسوة بجمعية صيدنايا الشهيرة التي اعتمدت على الميكروباصات في ثمانينيات القرن الماضي (المصندقة محلياً)، ما أحيا السياحة الشعبية إلى تلك البلدة ووفر لسكانها فرص العمل وبالتالي الحياة.
وأحدثت في الماضي البعيد جمعيات كثيرة، ربما تراجعت بسبب استيراد الميكروباصات الحديثة في مطلع التسعينيات (ما يقرب من خمسين ألفاً)، لكنها اهترأت، وباتت عالة على النقل العام والبيئة.
إن الحمل على الجماعة خفيف وما من شك أن النقل العام رابح (بدليل أن الباص الخاص يعهد بمئتي ألف ليرة في اليوم الواحد) وإذا كانت الحكومة تريد للاستثمارات الخاصة دخول هذا المضمار بقوة فما عليها إلا أن تعلن عن مشروع، يحفز ويوجه وينظم الاستثمار في النقل لأنه عصب الحياة.
من دون تنظيم، تبقى الأمور عامة والدعوات أمنيات مع وقف التنفيذ.
هنا في التحفيز، والمبادرة الإيجابية الإبداعية، تتبدى الحكمة من الإدارة الناجحة.