قضايا وآراء

التشتت في مواجهة الإرهاب

مازن بلال :

لم يغير الإرهاب المتنقل من خريطة التحالفات الدولية والإقليمية، فهو على ما يبدو يمثل تهديدا باتجاه واحد، حيث ينتشر ضمن خطوط التماس بين القوى الكبرى، ويتضح أكثر عبر التفاصيل التي ترافق التحالفات لمحاربة «داعش» أن الإرهاب ليس شأنا طارئاً داخل الأزمة السورية، إنما تم بناء تفاصيل الحدث السوري على التدافع «الإرهابي» بالدرجة الأولى نحو شرقي المتوسط، ثم التنافس العالمي لبناء نظام دولي وفق عوامل «محاربة الإرهاب»، فالحركات التكفيرية المتنوعة هي مجرد «طيف سياسي» للتغير والتأثير بالنسبة للولايات المتحدة على سبيل المثال، وهي في الوقت نفسه تهديد طارئ يضرب أوروبا ثم يختفي لفترات زمنية، وفي المقابل فإن التحالفات على ما يبدو ترتسم في سوربة تحديدا لتخلق جبهات مختلفة غير قادرة على ضبط تحركات الإرهاب.
عمليا فإن المشكلة الرئيسية ليست في قدرة داعش مثلا على «الضرب» في أوروبا، فالحوادث الإرهابية ممكنة بغض النظر عن الظرف الحالي، والفارق الحقيقي فيما يحدث حالياً يظهر في أمرين:
• الأول أن الانخراط في محاربة الإرهاب لا يعني التعامل معه كظاهرة سياسية تسعى لتغيير الخرائط، فهو في عمقه يعتمد قاعدة سياسية – تكفيرية تستند إلى بعض الأدوار الإقليمية، ويتحرك بغطاء من بعض الدول في شرقي المتوسط.
ضمن التصور الحالي لمكافحة الإرهاب لا يتم تحديد القاعدة الأساسية للحد من هذه الظاهرة، ويتم أيضاً تجاهل طبيعة انتقال «موجة التكفير» وفق مجال لتغيير المنظومة الشرق الأوسطية، فموجات الحركات التكفيرية التي أنتجت الاشتباك الدولي فوق سورية كانت تمنح في الوقت نفسه أدواراً إقليمية إضافية لبعض الدول، فالتحالف الغربي القائم منذ أكثر من عام يسعى لضرب الإرهاب في سورية والعراق، لكنه في الوقت ذاته يريد المحافظة على ما أنتجته الحركات التكفيرية على مستوى منظومة الشرق الأوسط كله، ويبدو من الصعب رؤية الجهود الأميركية عبر ضرباتها فوق سورية؛ دون الأخذ بالحسبان محاولاتها في الحفاظ على التوازن الإقليمي الذي أنتج عملياً الحركات التكفيرية – الإرهابية.
• الثاني مرتبط بالشرط الدولي القائم على أساس إنتاج نظام عالمي جديد، فإذا كان صعود النازية هو المبرر للتحالفات خلال الحرب العالمية الثانية، فإن الحركات التكفيرية وما تنتجه من إرهاب تتحرك بشكل مغاير تماما، فهي تدفع العالم إلى «حرب عالمية لا تماثلية» يصعب معها خلق تحالف صلب، فالنظرة الدولية لما يجري تتشكل وفق ما ينتجه الإرهاب – التكفيري من تحولات على مستوى إعادة توزيع القوة إقليمياً ودولياً.
يبدو التنافس الدولي لمواجهة «الحرب اللاتماثلية» متناقضا إلى حد كبير، فتركيا لا تكتفي بالبيئة الواسعة التي توفرها للحركات التكفيرية، بل فتحت أيضاً «حرب اللاجئين» كجزء أيضاً من اللاتماثل في الصراع الحالي، فأنقرة نقلت الصراع إلى قلب أوروبا دون فتح جبهات من أجل كسب دور إقليمي جديد، ويبدو أن السماء السورية التي تشهد حالة غير مسبوقة للطيران العسكري من أجل ضرب داعش؛ ترافقها حالة مختلفة من ضغط اللجوء الذي يفرض على الكثير من الدول تغيير قواعد التعامل مع الأزمة السورية، والتحول أيضاً إلى رؤية «الإرهاب» ضمن منظار ضيق يتعلق بالتوتر في سورية فقط.
علينا قراءة أي إمكانية للتحالف ضد «التكفير» كظاهرة إرهابية من زاوية مختلفة، لأنه سيفرض طبيعة في العلاقات دولية مختلفة كليا عما نشهده اليوم، فالخطر حتى اللحظة لا يبدو بالنسبة للبعض سوى «عمليات إرهابية» تؤرق بعض العواصم، إلا أنه يرسم على الأرض قواعد جديدة ويتيح تحولات حادة يمكن أن تؤدي لاحقا إلى فوضى في حوض المتوسط بالدرجة الأولى، لأن التكفير – الإرهابي لا يدمر الدول وسيادتها بل يقوم بتغيير ثقافي – ديموغرافي على طول «العالم القديم» إن صح التعبير.
ومن الصعب اليوم تجاهل ما سيسببه الإرهاب بنسخته «التكفيرية» من تحولات حادة على مستوى العالم، فهو في النهاية لا يعبث في النظام الإقليمي بل يشكل أيضاً «استثمارا» حقيقيا لتبديل الخرائط والعبث بالتوازنات القائمة؛ الأمر الذي يدفع سياسات بعض الدول إلى تجاوز محاربة الحركات التكفيرية والذهاب نحو تشتيت الجهود الدولية لاختصار ما يجري بأنه مجرد «حدث سوري» فقط، وأهمية أي جبهة قادمة لمحاربة «الإرهاب» هي في رؤيتها لهذا الخطر الذي يتجاوز ما يجري في سورية؛ وإيجاد مستوى جديد في التعامل مع الموضوع، فالبداية كانت في انتهاك سيادة الدول وهو ما أنتج بيئة للحركات التكفيرية، وإيجاد علاقات إقليمية جديدة عبر «جبهة عريضة» للحد من الحركات التكفيرية ربما سيكون نقطة البداية لشرق أوسط جديد ومختلف عن الرؤية التي تقتصر على الاستثمار داخل الفوضى المنتشرة اليوم.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن