قضايا وآراء

هل استسلمت باريس ولندن لشروط موسكو؟!

باسمة حامد :

في تصريحات هي الأولى من نوعها منذ بداية «الأزمة»، لم يستبعد مسؤولون غربيون بارزون من مجموعة ما يسمى (أصدقاء سورية) إمكانية اللجوء إلى التعاون مع (القوات النظامية السورية) كأحد الخيارات الواقعية المتاحة لهزيمة «داعش»!!
فهل استسلم قادة أوروبا لشروط الرئيس فلاديمير بوتين التي أعلن عنها خلال القمة الأخيرة التي جمعته بنظيره الفرنسي الأسبوع الماضي: «الرئيس بشار الأسد هو الحليف الرئيسي لموسكو في الحرب على الإرهاب.. لا يمكن النجاح في القضاء على الإرهابيين في سورية من دون عملية برية وإنه ليس هناك من قوة يمكنها مكافحة جبهة النصرة وتنظيم داعش وغيرهما من التنظيمات الإرهابية سوى الجيش السوري»؟!
الجواب يبدو مفهوماً ربطاً بالسؤال الاستنكاري الذي وجهه وزير خارجية فرنسا بتعجب مصطنع يوم الجمعة لإذاعة /إر تي إل/ خلال حديثه عن الخيارات المتاحة لمحاربة «داعش»: «ولماذا لا تكون قوات النظام؟!»!!
ورغم إنكار المسؤولين الغربيين للحقائق بالعبارات المكررة نفسها: «سورية الغد» و«سورية المستقبل» و: «لا مكان للرئيس السوري بشار الأسد في مستقبل شعبه».. واتباعهم لطريقة اللف والدوران والتذاكي السياسي لشرح العلاقة العضوية بين تدمير «الدولة الإسلامية» ووجود قوات برية على الأرض على غرار ما جاء في خطاب ديفيد كاميرون أمام مجلس العموم البريطاني الخميس الماضي.. إلا أن تصريحاتهم المرتبكة تعكس حجم الأزمات التي يواجهونها حالياً على خلفية التهديدات الإرهابية المتزايدة.
وفي الواقع، أن مجرد اعتراف حليفي واشنطن الأبرز (فرنسا وبريطانيا) بأهمية الجيش العربي السوري واستعدادهم للتشارك معه بعد تشكيكهم بشرعيته ورفضهم مناقشة الفكرة على مدى السنوات الخمس الماضية، يدل على أن الأوروبيين في مأزق حقيقي، فهم مضطرون انطلاقاً من مصالح دولهم الأمنية للتعامل معه باعتباره القوة البرية الأكثر تأثيراً وإنجازاً في ميدان المواجهة مع «القاعدة» وملحقاتها من دون أن يخسروا حلفاءهم في السعودية وقطر.
وإذا كان اجتثاث الإرهاب يتطلب في (نهاية المطاف) وجود قوات فعّالة على الأرض، وإذا كان هؤلاء يرفضون إرسال قوات أجنبية إلى سورية ويصفونها «بالفكرة الهدامة»، فهذا يعني أن التنسيق والتعاون والتبادل المعلوماتي العالي المستوى مع دمشق بات حاجة ملحة وضرورية بغياب قوى أخرى يمكن الاعتماد عليها بالوقت الراهن.
ومع الأخذ بالحسبان تمايز الموقف الفرنسي وإعلان هولاند أنه أتى لزيارة موسكو» لتنسيق التحركات مع روسيا في المكافحة الشرعية للإرهاب».. ثمة ما يجعل هذه الفرضية خياراً غربياً حتمياً في المرحلة القادمة، فمقاربة أوروبا لملف الإرهاب بعد هجمات باريس مختلفة عمّا قبلها، إذ إن معظم أجهزتها الاستخبارية بما لديها من معطيات ووقائع وفرضيات تدفع باتجاه تعزيزه وترسيخه، وتنصح القادة السياسيين بالتخلي عن لهجتهم الاستعلائية والاستفادة من الموقف السوري الإيجابي الذي عبّر عنه الوزير المعلم من موسكو: «أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً».
وفي ظل التوتر الروسي التركي وتصعيد موسكو من وتيرة خطابها السياسي وحضورها العسكري واستعدادها لمحاربة الإرهاب «بأي صيغة»، ومع الإعلان الفرنسي: «هدفنا العسكري الرئيسي هو سقوط الرقة عاصمة تنظيم الدولة الإسلامية المعلنة»، والبحث البريطاني المتواصل عن طريقة مناسبة للانخراط بالعمليات العسكرية ضد «داعش» في سورية.. الأرجح أن المسعى الأوروبي الجديد – بصرف النظر عن عدم جاهزية الغربيين لتشكيل تحالف دولي موسع مع روسيا- سيترجم تحت مظلة القيادة العسكرية الروسية لكونها تنفذ فعلاً عمليات ناجحة في إطار القانون الدولي، وتحقق نتائج أفضل بمئة ضعف عن النتائج التي يحققها تحالف واشنطن.

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن