قضايا وآراء

وسط المخاطر المتزايدة العالم إلى أين؟

| الدكتور قحطان السيوفي

يواجه العالم مخاطر كارثية سياسية واقتصادية، فهناك حروب وأزمات وأوبئة ومجاعة وإرهاب وتدهور بيئي، ووسط هذه المخاطر أين يتجه العالم اليوم؟

كان من المفترض أن يكون عام 2022 العام الذي يتعافى فيه الاقتصاد العالمي من صدمة جائحة كورونا، لكن الأزمة الأوكرانية أحدثت صدمة ركود تضخمي شديدة، وتعرضت إمدادات الطاقة للتهديد، ويواجه العالم الآن مخاطر كبيرة.

وبسبب الحرب في أوكرانيا، والظهور المتجدد لكوفيد 19 في الصين، والافتقار إلى خيارات سياسة الاقتصاد الكلي المتاحة لمعظم الحكومات، أصبح عام 2022 عاماً صعباً سيتراجع فيه النمو العالمي من 1.6 بالمئة تقريباً في عام 2021 إلى 3.6 بالمئة في عام 2022، وتهدد عودة فيروس كورونا إلى الصين مرة أخرى سلاسل التوريد العالمية، ما يؤدي إلى تضخيم الضغوط التصاعدية على الأسعار والضغوط النزولية على الإنتاج، وهذه التطورات تقوض الآفاق الاقتصادية العالمية، مع قدر كبير من عدم اليقين.

الاقتصاد في الولايات المتحدة محموم، مع وصول البطالة 3٫8 في المئة في شباط حيث عادت تقريبا إلى معدل ما قبل الجائحة البالغ 3٫5 في المئة، والتضخم عند أعلى مستوياته منذ عدة عقود، مع ارتفاع الأسعار الاستهلاكية 7٫9 في المئة عن العام السابق.

بسبب القلق بشأن ارتفاع التضخم في الولايات المتحدة، بدأ البنك الاحتياطي الفيدرالي، سلسلة من الزيادات في أسعار الفائدة، في محاولة صعبة جداً لإعادة استقرار الأسعار وقد رفع سعر الفائدة نصف نقطة بالمئة يوم 3 أيار 2022 وكان الهدف هو جعل السياسة النقدية مقيدة لأول مرة منذ الأزمة المالية العالمية، لكن تكاليف الاقتراض ستزداد.

اقتصاد أوروبا هو الأكثر تأثراً، نظراً إلى كونها الأقرب جغرافياً واقتصادياً لأوكرانيا. منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية نشرت محاكاة للآثار المحتملة للحرب، أظهر أن انخفاض النمو في منطقة اليورو يبلغ ضعف الانخفاض في الولايات المتحدة.

يقول كبير الاقتصاديين في منظمة التعاون الاقتصادي لورانس بون: «هناك فرق حقيقي بين أسعار الغاز الأميركي والروسي والصدمة أكبر في أوروبا لأنها تعتمد بشكل أكبر على الغاز الروسي». سيؤدي حظر الاتحاد الأوروبي لواردات الطاقة الروسية إلى ضرر على الإنتاج بمعدل 2٫2 في المئة وسيوجد ركود في منطقة اليورو، والمحللون يرون أن الحرب الطويلة قد تكون «أسوأ بكثير» بالنسبة إلى الاقتصاد الأوروبي من جائحة فيروس كورونا.

كانت نسبة التضخم في أوروبا المترتبة على جائحة كورونا 1٫5 بالمئة، على حين ارتفع التضخم إلى 5٫8 بالمئة على خلفية الحرب في أوكرانيا، ما أدى إلى احتجاجات متنامية في عدد من الدول الأوروبية، منها ألمانيا وفرنسا وإيطاليا وإسبانيا، وغيرها. كما شهدت بريطانيا احتجاجات على ارتفاع أسعار الغاز والكهرباء، مع زيادة أسعار الطاقة بنسبة 54 بالمئة، في أسوأ أزمة كلفة معيشية تشهدها بريطانيا منذ 50 عاماً.

انخرطت منطقة اليورو في المهمة الصعبة المتمثلة في الاستغناء عن النفط الروسي في أقرب وقت ممكن، وإذا بدأت إمدادات الطاقة المتناقصة في إحداث الخسائر، فإن ذلك سيزيد من اضطرابات الاقتصادات الأوروبية، مع ظهور اختلافات في الرأي بين دول الاتحاد الأوروبي حول حظر النفط الروسي.

جاءت إشارة الصين إلى أنها ستقدم حزمة من الدعم مع تهديد موجة أوميكرون بتمديد عمليات الإغلاق عبر مناطق واسعة من البلد، وقد شهد قطاع العقار استقراراً في الأسعار وتراجعت الضغوط المالية، وظل تضخم أسعار المستهلكين معتدلاً نسبياً. لذا، فإن الحكومة الصينية والبنك المركزي لديهما مساحة أكبر للمناورة مقارنة بصانعي السياسات في الاقتصادات الكبرى الأخرى، لذا من المحتمل أن يدعموا مزيداً من إجراءات التحفيز لمواجهة زخم النمو الضعيف، من جانبها حذّرت المديرة العامة لصندوق النقد الدولي كريستالينا جورجييفا من أن الحرب في أوكرانيا أدت إلى تباطؤ النمو المتوقع في معظم دول العالم، وأضافت: التضخم الذي وصل إلى أعلى مستوى له في الولايات المتحدة منذ أربعة عقود «استحال خطراً واضحاً وراهناً»، وقالت إن التحديات المقبلة قد تؤدي إلى تحول زلزالي.

بدوره، حذّر البنك الدولي من أن الحرب الأوكرانية تزيد من مخاطر حدوث اضطرابات اجتماعية وأزمات في الدول الأفقر في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وذلك على خلفية ارتفاع أسعار الغذاء والطاقة بسبب الحرب التي أدت إلى تفاقم الفقر والجوع.

إن العالم يعاني من المخاطر والوضع يبدو معقداً ومتفاقماً، ولمواجهته والحد من آثاره، من الضروري العمل على ثلاثة مستويات، عالمية وقطرية وشعبية.

والفصل بين ما هو سياسي وإستراتيجي، وما هو اقتصادي، سيتطلب هذا إرادة سياسية محلية وتعاوناً دولياً متضافراً، وهو ما لا يتوفر، وخاصة مع نزعة الهيمنة العدوانية الأميركية.

لا تزال المخاطر التي تهدد العالم اليوم ماثلة للعيان بتداعياتها وآخرها الحرب الأوكرانية وما تلاها من عقوبات تتسبب في حدوث اهتزازات حيث أدى الترابط والاعتماد المتبادل بين دول العالم إلى صعوبة الإضرار بأحد الاقتصادات، من دون تضرر باقي دول العالم، ولو بدرجات متباينة، ويبقى السؤال: مع هذه المخاطر المتزايدة، إلى أين يتجه العالم؟

زر الذهاب إلى الأعلى
صحيفة الوطن