لا أحد يتحدث اليوم عن زمن جميل أو أي شيء جميل بل الجميع منشغلون بتردي الأوضاع الاقتصادية في كل مكان في العالم وارتفاع الأسعار وزيادة نسبة التضخم بأرقام غير مسبوقة حتى في الولايات المتحدة وبريطانيا، كما أن كثيرين منشغلون بأزمة الغذاء العالمية التي بدأت بوادرها الحقيقية تظهر في كل مكان في العالم، وهذا كله مفهوم ومشروع ومحق طبعاً. ولكنّ شيئاً آخر مهم جداً يحدث بالتوازي مع هذه الصعوبات الجمّة التي تفرزها تحولات عالمية أقلّ ما يقال فيها أنها تاريخية وإستراتيجية وستغيّر وجه العالم الذي نعرفه وستضع النقاط على حروب سببت ظلماً وعدواناً واحتلالاً وإرهاباً من دون يقظة من ضمير أو كلمة حق من مقتدر.
ما يجري اليوم بالتوازي مع كل الأزمات والصعوبات هو انكشاف الوجه الحقيقي للتواطؤ الغربي مع الاحتلال والإرهاب وتبادل الأدوار بين الإرهاب والاستعمار الصهيوني للأرض المقدسة ودور كل ما يجري في منطقتنا منذ عقود من ظلم وتسويف على مسار البشرية سواء في أوكرانيا أم في باكستان أو أفغانستان أو أي بقعة في العالم.
وما يجري اليوم أيضاً هو انكشاف الوجه الحقيقي للعثمانية الجديدة المتواطئة مع الصهاينة في العمق والتي لا تخجل أن تصف كل الاعتداءات المشينة التي شنها الإرهابيون الصهاينة وربائبهم في جيش الاحتلال على المسجد الأقصى المقدس وكنيسة القيامة المباركة، لا تخجل أن تسميها على لسان زعيمها الإخواني أردوغان: «بالاضطرابات التي أحدثتها بعض الجماعات المتطرفة في المسجد الأقصى خلال شهر رمضان»، والتي كما يقول «أزعجتنا بشدة».
علّ واجب المرابطين والمرابطات أن يعتذروا من الزعيم الإخواني الذي يحتل الأرض في العراق وسورية وليبيا وينافق لرئيس وزراء الكيان الصهيوني، علّ واجبهم أن يعتذروا عن إزعاجه خاصة وأنه برّأ صفحة الكيان الصهيوني من خلال وصف كل الإرهابيين الصهاينة المدعومين بأعتى الأسلحة من حكومة الكيان وصفهم ببعض الجماعات المتطرفة.
إذا لم يكن من ميزة للتطورات في فلسطين وفي أوكرانيا سوى انكشاف حقيقة ما يقوم به الكيان الصهيوني من نشر للعنصرية والنازية وإرسال المقاتلين النازيين إلى أوكرانيا وانكشاف الوجه الحقيقي لأردوغان للمرة العشرين على الأقل؛ فهذا تطور مهم جداً ويجب الاحتفاء به والبناء عليه لأنه إذا ما تمت متابعته كما يجب فإنه مؤهل أن يختصر جزءاً كبيراً من المظلومية الواقعية على البشرية في أصقاع مختلفة من هذا الكوكب والتي يلعب الكيان الصهيوني والعثمانية الإخوانية دوراً أكيداً في إذكائها وتفاقمها.
كما أن الضجة التي أثارها مسؤولو الكيان الصهيوني حول تصريحات لافروف عن أصول هتلر وردود الفعل الصهيونية وانكشاف أكاذيبهم المفضوحة جديرة أن تدرس في المعاهد الدبلوماسية وأن تشكل إحدى قواعد فهم العقل الصهيوني والعقل الغربي والذي مرد على الاستخفاف بعقول البشر وتسويق الأكاذيب وبيعهم الأوهام على مدى عقود وربما قرون من الزمن. كان تصريح وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف بسيطاً ومفهوماً جداً حين قال: «عندما يقولون: أي نوع من النزعة النازية إذا كنا يهوداً. أعتقد أن هتلر أيضاً له أصول يهودية. لهذا فهذا لا يعني شيئاً» وتصريح لافروف هذا يعتمد على أبحاث موثقة ومنشورة في مجلات علمية محكمة ولا يحتاج إلى نقاش أو برهان.
وأخذ المسؤولون الصهاينة يصفون تصريحات لافروف بأنها في غاية الخطورة ولا تعكس الحقيقة. والواقع أنها في غاية الخطورة والأهمية لأنها تعكس الحقيقة؛ فقد قال لابيد أن كلام لافروف فاضح وخطأ تاريخي ولكن لافروف ليس أول من يقول ذلك فهو يعتمد على أبحاث تاريخية موثقة. ولكن المهم أيضاً أن الصهاينة كذبوا وقالوا إن الرئيس بوتين قد اعتذر من رئيس وزراء الكيان عن تصريحات لافروف، وبعد ذلك أعلن الكرملين نفي اعتذار الرئيس بوتين إلى رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي نفتالي بينيت عن تصريحات لافروف بشأن يهودية هتلر. وفي هذا تسطير تاريخ جديد بأن الأكاذيب لن تمرّ بعد اليوم وأنه لم يعد بوسع الغرب أو ربيبتهم «إسرائيل» أن يزوّروا الأحداث والأخبار لأن روسيا اليوم والصين غداً أصبحتا لهم بالمرصاد.
فحين عبّرت الناطقة باسم الخارجية الروسية ماريا زاخاروفا عن وجود «مرتزقة من إسرائيل» يقاتلون إلى جانب آزوف المتطرفة وأضافت «لا يمكن لإسرائيل أن تتجاهل ذلك خصوصاً مع وجود فيديوهات ومواد توثق ذلك». وحين أشار الرئيس بوتين في مكالمته مع ماكرون إلى تجاهل دول الاتحاد الأوروبي لجرائم الحرب التي ترتكبها القوات الأوكرانية فكأنه وبالسياق ذاته يشير إلى تجاهل دول الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة لكل الجرائم التي ترتكبها إسرائيل بحق الشعب الفلسطيني والعربي في الأراضي العربية المحتلة.
وكأن ما ينكشف في أوكرانيا اليوم من دور صهيوني وتركي لنازية جديدة يسهم في رفع الغطاء عن المسؤولين الأساسيين عن العنصرية والتطرف والاحتلال والإرهاب في العالم. وإذا كان هذا المسار قد وصل إلى إحداث ألم أكبر لدى الغرب الذي درج على فرض العقوبات على الآخرين وإذ به وللمرة الأولى تنعكس عقوباته عليه بشكل أشدّ وأدهى بكثير من أثر هذه العقوبات على روسيا. فالروبل اليوم في روسيا يقفز إلى أعلى مستوياته أمام الدولار واليورو منذ نحو عامين، في حين يفقد الدولار واليورو نسبة من قيمتهما منذ بداية العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا.
بطولات الفلسطينيين في فلسطين والمسجد الأقصى وكنيسة القيامة تتزامن وتتناغم مع انكشاف حقيقة الإرهاب وحقيقة النازية والعنصرية والموقف الغربي المتواطئ تاريخياً مع العنصرية والنازية والصهيونية، وكأن روسيا اليوم والتي دحرت هتلر في الحرب العالمية الثانية تعيد كشف ورثة الصهيونية والاحتلال والاستعمار والعثمانية الجديدة والإرهاب الذي يتم استخدامه من قبل كل هؤلاء لتحقيق أهدافهم المجرمة. مع كل هذه الانكشافات والانتصارات على الظلم والظالمين أعتقد أننا على أعتاب زمن جميل يدحر مرة وإلى الأبد ظالمي الشعوب الأبية والمستضعفة؛ فكلّ المؤشرات الاقتصادية الحقيقية تُري بما لا يدع مجالاً للشك أن نسب التضخم والغلاء وأزمة الوقود والغذاء تضرب الدول الغربية بسبب العقوبات التي فرضتها على روسيا، وأن روسيا والصين تتحكمان بالأسعار وبأسعار الصرف وتوفران الوقود والغذاء لشعبيهما. يمكننا هنا إذا أن نسجّل حقيقة مهمة وهي أنه للمرة الأولى في التاريخ الحديث تنقلب العقوبات التي يهدد بها الغرب ويستخدمها ضد شعوبنا لأسباب جائرة، تنقلب عليه وتلحق به أذىً أشدّ وأدهى مما أراد أن يلحقه بالبلد المستهدف، وهو في هذه الحال روسيا، وهذا تطور لا يستهان به أبداً وهو مرشح أن يغيّر المعادلة في العلاقات الدولية مرة وإلى الأبد وأن يصيب العنجهية والاستعلاء الغربيين في الصميم.