حالة الانسداد السياسي في العراق، وبعد مضي سبعة أشهر من إجراء الانتخابات النيابية المبكرة في الـ10 من تشرين الأول 2021 على حالها، متوقفة من دون أي حراك، بسبب الخلافات والعناد الحاصل بين أكبر تحالفين سياسيين، الأول: «تحالف وطن» الذي يضم التيار الصدري بزعامة مقتدى الصدر، والحزب الديمقراطي الكردستاني بزعامة مسعود البارزاني، وتحالف السيادة بزعامة خميس الخنجر ومحمد الحلبوسي رئيس المجلس النيابي الذي يدعو إلى حكومة «أغلبية سياسية». والثاني: «الإطار التنسيقي» الذي يضم ائتلاف دولة القانون برئاسة نوري المالكي، وهادي العامري رئيس تحالف الفتح، وحيدر العبادي رئيس ائتلاف النصر، وعمار الحكيم رئيس تحالف قوى الدولة، وفالح الفياض رئيس حركة عطاء، وهمام حمودي رئيس المجلس الأعلى الإسلامي، وقيس الخزعلي الأمين العام لحركة عصائب أهل الحق إضافة إلى أحزاب صغيرة وشخصيات مستقلة أخرى، والذي يدعو إلى حكومة «توافقية».
وفي محاولة لفك حالة الاختناق وإنهاء المناكفات السياسية الحاصلة، طُرحت منذ بداية اعتكاف مقتدى الصدري بـ«الصوم السياسي والإعلامي» في الـ31 من آذار 2022 الذي حدده بـ40 يوماً، خمس مبادرات لحلحلة الانسداد السياسي الحاصل. الأولى كانت من «الإطار التنسيقي» في الأول من نيسان الماضي، والثانية من عمار الحكيم رئيس تيار الحكمة الوطني في الـ8 من الشهر ذاته، والثالثة من حركة امتداد في الـ14 من الشهر أيضاً، بهدف إيجاد مخرج للأزمة الحاصلة ومنع انهيار العملية السياسية، وكلها دعت إلى عقد حوارات بين جميع القوى السياسية للاتفاق والتوافق على طريقة تمرير مرشح رئاسة الجمهورية وتسمية المكلف لرئاسة الوزراء.
المبادرات الثلاث المطروحة، ورغم الترحيب بها من معظم القوى السياسية، بقيت حبراً على ورق، لأن التيار الصدري لم يبد أي رأي بها، لكونه في «صمت إعلامي».
في الـثالث من أيار الجاري، قدم «الإطار التنسيقي» مبادرة جديدة لكسر الانسداد السياسي الحاصل، مؤلفة من تسع نقاط، ومثلها من الالتزامات التي يتعيّن على الحكومة المقبلة تنفيذها، تدعو إلى حوار وطني من دون شروط مسبقة بين كل القوى السياسية العراقية، للاتفاق على بنودها، مقترحة على النواب المستقلين «تقديم مرشّح لرئاسة الوزراء لإدارة البلاد في هذه المرحلة الحسّاسة من عمر العراق، على أن يُدعم من جميع الكتل الممثَّلة للمكوّن الأكبر والمشكِّلة للكتلة الأكثر عدداً».
وفي اليوم التالي، رد عليها مقتدى الصدر بمبادرة أخرى، مخترقاً صومه «السياسي والإعلامي» الذي كان يفترض أن ينتهي في الـ10 من أيار 2022، داعياً «المستقلين الالتحاق بالتحالف الأكبر ليشكلوا حكومة مستقلة سنبلغهم ببعض تفاصيلها لاحقاً، ولن يكون للتيار مشاركة في وزرائها».
كان من اللافت أن يرمي كل من «الإطار التنسيقي» ومقتدى الصدر، شباكهما باتجاه المستقلين الذين ينحدرون من اتجاهات مختلفة وغير موحدين تماماً، والذين يبلغ عددهم نحو 40 نائباً من مجموع 329 نائباً في المجلس النيابي.
قائمة مبادرات «فك الانسداد» السياسي التي لم تتوقف على مدى أشهر طويلة، هي محاولات للخروج من حالةِ الاحتقانِ السياسي، وهي لا تعني في أي حال من الأحوال قرب التوصّل إلى حلّ، نظراً لما تتضمّنه من تفاصيل يفترض «التوافق» بشأنها، في إطار حوار وطني يشمل كل القوى السياسية.
إن أغلب المبادرات التي طرحت في ظلِّ الأزمات السياسية المتواصلة منذ العام 2003، إن لم أقل كلها، لم تنجح لأنَّ العملية السياسية في العراق قائمة على الاتفاقات والتوافقات، وليس على المبادرات. وبالتالي فإن نجاح أي مبادرة في ظل العناد السائد مستحيل.
الوضع السياسي صعب جداً وغير مستقر، والأزمة أمامها خياران للخروج من حالة الانسداد السياسي، إما «التوافق» بشأن شكل الحكومة المقبلة، وإما حل المجلس النيابي وإجراء انتخابات نيابية جديدة، وهو الآخر يحتاج إلى «توافق» غالبية القوى النيابية لتمريره، لخطورته، لكون العملية السياسية لم تعد تحتمل خوض غمار انتخابات نيابية مبكرة جديدة، لضعف قناعة الناخب بالعملية السياسية، ولتراجع ثقته بالنظام السياسي، لسوء أدائه التنفيذي والتشريعي في إدارة الدولة.
إن دعوة المستقلين لتولي مهمة تشكيل الحكومة الجديدة، يعني أن كلا الطرفين بات عاجزاً عن تمرير رئيس جديد للجمهورية، وتسمية المكلف برئاسة الحكومة المقبلة، وهي تبدو كمناورة أكثر من كونها خطوة باتجاه التنازل أو التفاهم لتجاوز الأزمة الحاصلة، وخاصة أن المستقلين موزعين في حقيقة الأمر على أربع مجموعات شبه متساوية، واحدة تؤيد «الإطار التنسيقي»، وثانية تؤيد «تحالف إنقاذ وطن»، وثالثة يعودون في ولائهم وقرارهم لأحزاب صغيرة ناشئة، ورابعة يمكن اعتبارهم مستقلين حقيقيين وعددهم لا يتجاوز أصابع اليدين.
إن المراهنة على المستقلين لتحقيق نصاب الثلثين في جلسة التصويت على رئيس الجمهورية، لا رجاء منه، فدرب المبادرة مسدودٌ مسدود، يا بلدي.