لم يحدث في تاريخ الحكومات الإسرائيلية أن تولى رئيس حكومة مثل نفتالي بينيت وحزبه «يمينا»، لا يملك سوى خمسة مقاعد من مئة وعشرين مقعداً في البرلمان (الكنيست).
فقد انشق عن حزبه عضوا كنيست وأصبح أمام بقية الأحزاب المؤتلفة في حكومته قابلا لانشقاق إضافي من عضوين آخرين بعد الحديث عن تهديدهما بالانسحاب من حزبه، لكن وللأسف الشديد هناك حزب عربي من داخل فلسطين المحتلة منذ عام 1948 واسمه «القائمة العربية الموحدة» هو الطرف الذي وظف أربعة أعضاء في الكنيست لمنح هذه الحكومة الأشد تطرفا في تاريخ الكيان الصهيوني الأغلبية التي أتاحت لحزب «يمينا» المتشدد بمقاعده السبعة البرلمانية تشكيل هذه الحكومة برئاسة زعيم التطرف الصهيوني نفتالي بينيت قبل سنة تقريباً، فقد قرر منصور عباس رئيس هذه الحركة، الانضمام إلى هذا الائتلاف الحاكم وهو يعرف أكثر من غيره، أن حزبه سيسجل أول مشاركة مع أشد المتطرفين في حكومة وضعت على جدول عملها ثلاثة أهداف معلنة وما تزال تنفذها منذ تشكيل هذه الحكومة وهي: التوسع المكثف للاستيطان في الأراضي المحتلة في الضفة الغربية، وتصعيد حملات القتل والاعتقال بين صفوف الشعب الفلسطيني، والتحضير لحملة عسكرية لاجتياح قطاع غزة ولشن كل أشكال العدوان على سورية، وكان من المستغرب جدا أن يبرر قادة حركة «القائمة العربية الموحدة» وهي التي انشقت عن «القائمة العربية المشتركة» في الانتخابات الماضية للكنيست، سياستها هذه بعد أن وجدت أن انشقاقها بهذه الطريقة دفعها إلى توحيد صفوف الأحزاب الإسرائيلية وإلى إضعاف بقية أعضاء الكنيست العرب الذين رفضوا الانضمام إلى أي حكومة صهيونية، وفي هذه الأوقات وعند انفراط هذه الحكومة من الطبيعي أن تفقد حركة منصور عباس مقاعدها بعد أن تحولت إلى جسر للسياسة الإسرائيلية وجدول عملها في مدينة القدس والأراضي الفلسطينية المحتلة واضطهادها للفلسطينيين الموجودين فيها منذ عام 1948، وهذا ما يدفع هذه الحركة إلى الامتناع عن حجب الثقة عن حكومة نفتالي والانسحاب من مشاركتها الائتلافية فيها، فمنصور عباس يجد أن من مصلحته البقاء في هذه الحكومة لإطالة عمرها للمحافظة على ما تمنحه له الكنيست من امتيازات شخصية بموجب ما يؤكده عدد من المحللين الفلسطينيين في الأراضي المحتلة منذ عام 1948، وقد اتفقت مصلحته مع مصلحة نفتالي بينيت الذي يحاول القيام بالمستحيل لمنع سقوط حكومته لأنه لن يحصل في أي انتخابات مقبلة على مقاعده السبعة نفسها التي تحولت إلى خمسة وربما تتحول إلى ثلاثة بحسب الأخبار الإسرائيلية التي تشير إلى احتمال انشقاق عضوين من حزبه قريبا، أما بنيامين نتنياهو الذي ينتظر بفارغ الصبر سقوط حكومة بينيت، فسوف يكون أمام احتمالين: إما الحلول مكانها إذا ما أيده المنشقون من حزب بينيت، وإما تسبيق موعد الانتخابات وتعريض حزب الليكود لامتحان آخر مع بقية الأحزاب في ظل أوضاع إسرائيلية جديدة متأزمة في الجبهة الداخلية وفي الجبهة الإقليمية وكذلك الدولية.
لكل ذلك، يتوقع المحللون المختصون بالأحزاب في تل أبيب أن تحمل نتائج الانتخابات المبكرة، إذا ما فرضت نفسها، عودة إلى دوامة عجز أي كتلة إسرائيلية عن تحقيق أغلبية تتيح لها تشكيل ائتلاف جديد.
من الواضح أن هذا الوضع الإسرائيلي سيزيد من تفاقم الأزمات الداخلية الحزبية والسياسية لمختلف أحزابه الكبيرة وتياراتها الرئيسة ولن يكون بمقدور أي دور أميركي أو أوروبي إعادة سكة تشكيل الحكومة الإسرائيلية إلى سابق عهدها مهما بذلت هذه القوى من جهود، فالأزمة داخل المشروع الصهيوني وكيانه الإسرائيلي أصبحت أعمق في الداخل الحزبي والسياسي من أي وقت مضى في حين يزداد العجز والفشل العسكري العدواني للجيش الإسرائيلي أمام تصاعد المقاومة الفلسطينية داخل كل مساحة المشروع الصهيوني الجغرافي في أراضي فلسطين وأمام القدرة المتزايدة لقوى محور المقاومة على المستوى الإقليمي، ويعترف مسؤولون إسرائيليون بأن الوضع الدولي بعد العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا أصبح يشير إلى تناقص الدور والنفوذ الأميركي والغربي في مواجهة الاستحقاقات الدولية والإقليمية.